تخيِّل أن تكون موظفاً بمؤسسات الخدمة المدنية بالسودان وأن يكون أمام ترقيتك فقط تقرير أداء يكتبه عنك المدير المباشر لك وتخيِّل أن يكون هذا المدير ( بشمك وبكرهك لي بهناك بدون أي حاجه ) أو أن تخالفه الرأي فماذا يكون مصير ترقيتك ؟ وماذا تنتظر منه ؟ .
إنَّ أسوأ ما خلّده قانون الخدمة المدنية هذا التقرير ويا له من ظلمٍ يُعرِّض الموظف ( للتكدير ) بسبب كتابة التقرير ، من طوافي على وزارات ومؤسسات الخدمة المدنية أوقفني هذا الأمر كثيراً هل تقرير الأداء ( المزعوم ) هذا هو الذي يحدد الترقيات ؟ نعم إنه كذلك وبكل أسف وحتى لو كان قانونياً فإنه ظلم كبير فكم من مدير لا يفهم معنى الإداره جاءت به الظروف وأصبح عدواً لدوداً للموظفين ، وكم من مدير لا يفهم عمله ، ويعتمد مباشرة على موظفيه الذين يقومون بكل شئ ثم يتربع هذا المدير ويكتب تقريراً عن موظفيه .
حال الخدمة المدنية في السودان سئ للغاية بسبب قرارات عفى عنها الدهر والقوانين الموجودة لم تُطبق ، فمعنى الإدارة لا يفهمه كل مدير يا وزارة الإصلاح والعمل ، فلماذا لا يتغيّر هذا الأمر ؟ قوانين الخدمة المدنية تُذكرني بالصندوق القومي للمعاشات والتأمينات الإجتماعية ذات يوم كتبت عن قوانينهم فقدموا لي الدعوة للتعرّف عليها عن كثب ومعرفة عملهم ( مع إنني أعلم عملهم جيداً ) وذات يومٍ كنت في ضيافتهم وتحدثت مع إحدى المُدراء خاطبتني : ( دي قوانين دوله وقوانين قديمه ) قلت لها وإن يكن فما المانع من تغييرها لأنها ظالمة ومُجحفة في حق العاملين . نفس الأمر ينطبق على الخدمة المدنية يقولون إنه قانون ولا يعلمون أنَّ كثير منها غير عادل من ضمنها ( تقرير الأداء ) فإن كان المدير سئ وهذا ما نُشاهده في بلادنا أكثرهم فاشلون إلاّ ما رحم الله ، قد يكتب عنك تقريراً مُنافي للواقع وهنا أستحضر لي صديق عزيز يعمل في إحدى الوزارات مديره المباشر كتب عنه تقريراً سيئاً جداً وأضاع عليه حقه .
تقييم الأداء يجب أن يكون عادلاً وليس ظالماً فأن توجهتم على وزاراتنا ( تجدو العجب ) والظلم يخيّم على الكثير من الموظفين الذين يخلصون في عملهم ، فكم من مسؤول يقع في أخطاء فادحة يدفع ثمنها الموظف والعامل . غياب العدالة الوظيفية وتفشي الضعف الإداري أمر خطير جداً ، فبلادنا منهارة أصلاً ونهضتها تم عبر بناء خدمة مدنية عادلة يتساوى فيها الجميع .
لي صديق عزيز يعمل في وزارة مهمة جداً له عمل منتظم مع المسؤول الأول فكان يجلس معه كثيراً وذات يوم أدخل له عملاً ولم يخرج منه مرت أيام وإختفى هذا العمل المهم ثم أردفه مرة أخرى و المسؤول الأول لا يجيب ومن الطرائف يقول لي صديقي ، سقط البشير وإبنعوف وجاء البرهان وظهر حمدوك ثم كوّن حكومته وبعد فترة تكوّنت حكومة أخرى وحدث الإنقلاب وسيطر برهان على الحكم ثم عاد حمدوك وحتى الآن لم يخرج هذا الخطاب من مكتبه . هذا المسؤول نموذج لآخرين كُثر لا يقدّمون شئ للدولة ( فالحين ) فقط في مخصصاتهم وبدلاتهم وبعيدون كل البُعد عن العمل الحقيقي .
وإن سألنا عن كيفية كتابة هذا التقرير وكيفية التقييم لما وجدنا إجابة من الكثير ، ( أما لو عندك إختلاف مع مديرك المباشر الضحك شرطك عادي يمكن يغدر بيك ) وهذا الأمر نُشاهده في معظم وزارات الدولة وكأنها ملك للمدراء وأكثرهم فاشلون وأكثرهم لا يعلمون عملهم . ومع ذلك يقيّم موظفيه ( بالله شوفو العوج ) هذا الأمر إنتشر كثيراً في السنوات الأخيرة وما زال وتحت هذا المُسمّى ( تقرير الأداء ) ضاعت حقوق موظفين وعاملين كُثر ويجب التوقّف عنده حتى لا يستمر الظلم الممنهج في الخدمة المنهارة ، فألعدل يجب أن يسود وليس سواه . هناك نقاط كثيرة تحتاج لمراجعة يا وزارة العمل والإصلاح ، ولقد سبق وتحدثت عن الرجل الغير مناسب في المكان المناسب ثم الحسد والحقد في الخدمة المدنية فأقيموا العدل بين الموظفين والعاملين ، إن ظلمتموهم في المرتبات فلا تظلموهم من حقهم الأدبي أيضاً فيكفي توليد الغبن . لم أرى وزارة في بلادي وزارة ومؤسسة خالية من ظلم الموظفين والعمال . ودائماً ما أقول لن تنهض بلادنا بلا خدمة مدنية متطوّرة مواكبة ومتطلّعة لخدمة البلاد والعباد .
سنتاول بمشيئة الله في العدد القادم الصندوق القومي للتأمينات والمعاشات .
اللهم بلّغت ،،،
اللهم فأشهد ،،،