مقالات

منى أبوزيد تكتب: النسخة الوطنية..!

“الفلسفة أعمق من الأدب لأنها تدرك أن الأدب اعمق منها”.. جوتة.. !

في كتابه “جمال عبد الناصر المُفتري عليه والمفتري علينا” حاول الكاتب الراحل “أنيس منصور” أن يمزق الصورة النمطية لأكثر الرؤساء المصريين وطنيةً في أذهان الناس. وفي مقال بعنوان “آرثر ميلر قاتلاً” حاول أن يمزق صورة أخرى ظلت محفورة في وجدان الثقافة الأمريكية لضمير مسرحها “آرثر ميلر”، وذلك من خلال التنديد بقسوته – كزوج – على “مارلين مونرو”..!

كتاب آخرون كثُر تناولوا بالجرح والتحليل سيراً أخرى لشخصيات تاريخية ظلت مثيرةً للجدل بشأن حقيقتها الأكيدة، وهذه قضية ليس لها علاقة بالغموض أو التناقض بقدر علاقتها بطبيعة تقلبات النفس البشرية التي تجعل لكل شخصية إنسانية نسخاً عديدة..!

هنالك شخصيات شهيرة شاءت إرادة الله أن تضعها في مواجهات صارمة مع أحكام التاريخ “بدءاً بالسيدة عائشة وعلي بن أبي طالب – رضي الله عنهما – في فتنة مقتل سيدنا عثمان رضي الله عنه، ومروراً بهارون الرشيد مع نكبة البرمكة والكونتيسة صوفيا تولستايا مع سيرة زوجها الراحل ليو تولستوي، والملك فاروق مع رموز الثورة عليه مثل جمال عبد الناصر”..!

وليس انتهاءاً بما سيكتبه التاريخ عن مآلات الحرب الأخلاقية بين الجيش السوداني والشعب السوداني من جهة وقيادات “تقدم” من جهة أخرى، في مواجهة هذه الحرب التي خططت لها قوات الدعم السريع وحكومة الإمارات باشتراك جنائي مع ذات الشخصيات التي خلعت قميص” الحرية والتغيير” ولبست بزة “تقدم” ..!

قبل سنوات كتبتُ مقالاً بعنوان “أوهام النخبة” ناقشتُ فيه ماقال به “جان بول سارتر” و”ميشال فوكو” و”علي حرب” عن تصورات المثقف النخوبية وتعاطيه اللاهوتي مع الأفكار والأحداث. وكانت الفكرة الرئيسة للمقال هي الصورة الإعلامية الهازلة التي كانت وسائل الإعلام تختزل خلالها سيرة المغنية الشعبية الراحلة “حواء الطقطاقة” ومواقفها الوطنية “الظهور الإعلامي الجاد الوحيد لها كان مع د. عمر الجزلي في برنامجه أسماء في حياتنا، بعد نشر المقال” …!

مثل الوجه – الآخر – الوطني “للطقطاقة” في السودان هنالك “تحية كاريوكا” في مصر، بمواقفها الوطنية التي قال عنها شاعر بقامة أحمد مطر “أتمنى أن أرى حزباً عربياً واحداً يقوده مخلوق صادق وجريء وأمين وطيب القلب مثل كاريوكا”، والتي كرَّم ذكراها مفكر بحجم إدوارد سعيد..!

الانتماء للإنسانية لا يعرف الطبقيَّة الاجتماعية، وليس هنالك مناضل مثقف ومناضل تافه، ولا يوجد فعل وطني كبير وفعل وطني صغير، بل “شخص وطني” يستطيع بإخلاصه أن يجعل كل الأفعال كبيرة ..!

وفي جعبة التاريخ الإنساني الكثير من الحكايات التي تصور الأدوار المهمة لغانيات – وفتيات ليل ومحترفات بغاء عديل – في اشتعال الثورات على فساد الحكام وفي نجاح الكثير من حركات التحرر الوطني. بوازع من مشاعر ومواقف الوطنية القابعة في أعماق كل منهن..!

تلك “الوطنية” التي لا يملك بعض أدعياء السياسة في السودان نسخةً منها..!

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى