مقالات

عثمان ميرغني يكتب.. حادثة الطبيبة

حديث المدينة الأحد 17 أغسطس 2025

حادثة الطبيبة ..

قبل حوالي شهر، تلقيت اتصالًا من شخص مجهول ينبهني إلى حوادث متتالية في إحدى الدول العربية الشقيقة، كانت ضحاياها طبيبات سودانيات على يد أزواج سابقين. هذه الحوادث، بحسب المتصل، ترتبط بتراكمات نفسية واجتماعية ناجمة عن انقطاع صلة الزوجية. سألته: هل وصل الأمر إلى مستوى “الظاهرة” أم أنها مجرد حوادث متفرقة؟ لم يكن لديه إجابة واضحة سوى ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي. ثم سألته: ما الذي تتوقعه من الإعلام؟

هنا جاءت إجابته جاهزة، قال: “عليكم رفع وعي النساء، خاصة الطبيبات، بأهمية مراعاة خصوصيات العلاقة بين الرجل السوداني والمرأة، وما تحمله من تراكمات مجتمعية.” لم يكن واضحًا من حديثه أين يكمن الخلل تحديدًا، لكن كلماته ألمحت إلى أن الوضع الوظيفي للمرأة، وما قد يمنحها من تفوق مهني، قد يثير حساسيات لدى الرجل إذا شعر بتقليل من مكانته أو حتى بمجرد النِدية.

تذكرت هذا الحديث قبل يومين عندما هزّت حادثة مروعة المجتمع السوداني. مقتل طبيبة في مستشفى مروي على يد طليقها. تفاعل رواد وسائل التواصل الاجتماعي مع الحادثة بين متعاطف مع الضحية وبين من حاول، بحذر، إيجاد مبررات “تخفف” من وقع الفاجعة.

هذه الحادثة هزت المجتمع السوداني، ليس فقط لغرابتها، بل لأن أطرافها من الطبقة المتعلمة التي يُفترض أن تمتلك أدوات حل الخلافات بطرق لا تؤدي إلى مثل هذه النهايات المأساوية. لكن معظم النقاشات لم تتجاوز السطحية، مكتفية بالدراما والتراجيديا في المشهد الدموي.

الضحية الأولى في هذه الفاجعة هي الطفلة التي خسرت أمها وأباها في لحظات، وسُجّل في سيرتها الذاتية ما لا ذنب لها فيه. فبينما كانت لحظات الحادثة نهاية قصة بالنسبة للبعض، كانت بالنسبة لها بداية رحلة قد تمتد مدى الحياة.

هذه الفاجعة تستدعي النظر إليها بما يتجاوز إطارها الدرامي أو الأسري، لتشمل حال المجتمع السوداني ككل. وهنا تبرز أسئلة حتمية:

هل توجد مؤسسات رسمية أو مجتمعية تراقب وتدرس المتغيرات الاجتماعية في السودان، وتعمل على تعزيز الصحة النفسية والاقتصادية والأخلاقية والأسرية للمجتمع؟

مع وجود مئات الجامعات وكليات الدراسات الاجتماعية وعلم النفس، هل تساهم هذه المؤسسات بأبحاث تعزز تماسك المجتمع وتحميه من عوامل التعرية التي تهدد استقراره؟

هل تمتلك الدولة مؤسسات معنية بمتابعة السياسات التي تؤثر على سلامة المجتمع، وتقويمها لدعم التماسك الأسري وتطوير آليات التربية والسلوك؟

مئات المنظمات التطوعية والخيرية، هل تعمل في هذا الاتجاه؟ وهل تتوفر لها موارد مالية ودعم لوجستي من الدولة أو القطاع الخاص لأداء دورها بفعالية؟

من الحكمة أن نترك الأحداث الجنائية لتأخذ مجراها القانوني في قنوات العدالة، وأن نركز نحن على رصد الأسباب والتداعيات الاجتماعية. يجب أن تصبح هذه الحوادث جرس إنذار يكشف مواطن الخلل، ويدفعنا نحو بناء مجتمع أكثر وعيًا وتماسكًا.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

الوليد محمد

الوليد محمد – صحفي يهتم بالشؤون المحلية والإنسانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى