حديث المدينة – الأحد 10 أغسطس 2025
حكاية الطابور الخامس
في لقاء رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس مع الصحفيين السودانيين بمقر إقامة السفير في القاهرة، أشار إلى أن “الطابور الخامس” يعيق عمل الدولة، وأن “التقاطعات” تبطئ اتخاذ القرارات، بل وتعرقل تشكيل الحكومة.
في السياسة، يُشار دائمًا إلى متهمين مجهولين: “الطرف الثالث”، وهو جهة تُتهم بارتكاب أعمال مخالفة للقانون، قد تصل إلى العنف ضد المدنيين. ظل هذا “الطرف الثالث” يعبث بأمننا عبر سنوات طويلة.
على سبيل المثال، في كتابه حول أسباب مذبحة بيت الضيافة في 22 يوليو 1971، برر الأستاذ الدكتور عبدالله علي إبراهيم الجريمة بـ”الطرف الثالث” الذي خطط لانقلاب وسط فشل انقلاب هاشم العطا.
في مظاهرات سبتمبر 2013، عندما سقط شباب في ريعان الشباب برصاص عشوائي، وسُجل في يوم وليلة أكثر من 200 قتيل، أصدرت حكومة البشير بيانًا يتهم “الطرف الثالث”. وفي مظاهرات ثورة ديسمبر 2018، كلما هزت البلاد فواجع كبيرة، ظهر المتهم ذاته: “الطرف الثالث”.
نحتاج إلى دراسة جادة وحقيقية لهذه الظاهرة، ظاهرة شكاوى المسؤولين الموجهة إلى الشعب. في ذاكرتي العديد من السوابق المماثلة. في عهد الحكومة الانتقالية، كان الدكتور عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء، يشتكي باستمرار من “التقاطعات” التي تتسبب فيها قوى الحرية والتغيير، والتي تؤدي إلى عرقلة عمل الحكومة.
عادةً ما يُنسب الفشل إلى مثل هذه التدخلات. كذلك، عندما تولى الفريق أول بكري حسن صالح رئاسة الوزراء، سمعته في خطاب طويل يشتكي للشعب من سوء إدارة الحكومة، مقدمًا مرافعة مدعومة بالأدلة عن “التقاطعات” التي تتسبب في الفشل.
القائمة طويلة وتحتاج إلى جهد بحثي رصين، ليس فقط لرصد هذه الظاهرة وتوثيقها، بل لدراسة أسبابها، خلفياتها الذهنية، والدوافع التي تقف وراء هذا السلوك. الاستخدام المتكرر لمصطلحي “الطرف الثالث” و”الطابور الخامس” يطرح تساؤلاً: لماذا لا يُسأل عن هذين المتهمين؟ أين هما؟ ولماذا لا تتولى الدولة تحييدهما؟
في تقديري، لا وجود لـ”طرف ثالث” أو “طابور خامس”. كل ما في الأمر أن الشعب، من فرط عفويته، يميل إلى تصديق كل ما يُقال له.
نقلا عن صحيفة التيار