منى أبو زيد تكتب: حاجب الدهشة
هناك فرق
منى أبو زيد
حاجب الدهشة
“قل لي ما يدهشك أقل لك ما يستوجب الدهشة فيك” .. الكاتبة ..!
(1)
لعلك تتفق معي على أن الذي يثير اهتمام مجتمع ما – حد الحزن والبكاء – قد يضحك آخر، وما يزال عالمنا الثالث يذكر كيف أضحك شعوبه جداً ذلك الزخم الإعلامي الكبير الذي صاحب خبر موت أرنب رئيس جمهورية لاتفيا الذي نشرته أهم وأكبر صحف العالم الأول باهتمام واحتفاء كبيرين قبل سنوات مضت، وكيف أن ليسيس – وهذا هو اسم الدلع لأرنب فخامة الرئيس ذي الخمسة أعوام – قد نفق إثر إصابته باكتئاب حاد بسبب انتقاله إلى العيش في القصر الرئاسي مكرهاً لا بطلاً، بعد أن قام البرلمان بتعيين صديقه الجرّاح السابق والسياسي المغمور رئيسًا للبلاد. يومئذ رفع القراء في مجتمعاتنا حواجب الدهشة من أخبار الصحافة المحلية في جمهورية لاتفيا التي أطلقت على ليسيس لقب “الأرنب الأول”. لكن المؤكد -أيضاً- هو أن قراءً آخرين في مجتمعات العالم الأول يرفعون حواجب الدهشة كثيراً وطويلاً من جل أخبار مصائبنا السياسية في عهد ما بعد الثورة .
(2)
قبل سنوات تصدّرت عناوين الصحف الأوروبية أخبار عن تقديم موعد زفاف أمير موناكو بسبب اجتماع للجنة الأولمبية الدولية كان سينعقد في مسقط رأس عروس الإمارة – وبطلة السباحة – التي فضّلت تقديم موعد عُرسها حتى تتمكن من حضور تلك المناسبة الرياضية. مؤكد أن مائة امرأة سودانية – على الأقل – قد رفعن حاجب الدهشة من اهتمام أي عروس في العالم بحدث رياضي مقارنة بليلة العمر وما يليها من حجز الصالة والفنان وترتيبات الصبحية وتدريبات “رقيص العروس”. لكن المؤكد -أيضاً- هو أن دهشة نظيراتهن في العالم الأول ستكون أكبر بشأن أخبار قروض الزواج التي كانت تروج لها بعض البنوك في بلادنا في ذات التوقيت، والغرض ليس تأثيث عش الزوجية أو تغطية النفقات الضرورية – كما قد يتبادر إلى أي ذهن – بل لمجاراة أسعار تكلفة الولائم وإيجار الصالات وسيارات الليموزين ومراكز التجميل .
(3)
الكاتب الإيرلندي الأشهر “برنارد شو” أخذته الحماسة يوماً فقال “لو كان محمدٌ حيَّاً لحل مشاكل العالم بينما يشرب كوباً من القهوة”، والرجل معذور في حكاية القهوة تلك لجهله بالمزاج الغذائي الذي كان سائداً في صدر الإسلام، شأنه في ذلك شأن وسائل الإعلام الروسية التي ما يزال العالم يذكر كيف نقلت مشهد الرئيس الشيشاني قديروف “الابن” وهو يحمل كوباً حجري اللون، قالوا إن رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – كان يشرب منه، ثم تناقله أحفاد آل البيت قبل أن يحط رحاله في العاصمة الشيشانية ويستقبله رئيس حكومتها في موكب مهيب وهو يجهش بالبكاء مرتجفاً من هول الموقف العظيم. ثم وبعد نوبة البكاء تلك مباشرة أعلن ذات الرئيس الورع عبر ذات الوسائل الإعلامية عن استعداده لاستقبال المغنية الكولومبية الراقصة “شاكيرا” التي كان لها الفضل الأعظم في نشر موضة البلوزة الضيِّقة والتنورة القصيرة – التي يسمونها في أسواقنا المحلية “فصل الدين عن الدولة” – وكذلك حال مضيفها الحاكم الذي رفض تطبيق الشريعة في بلاده. ملايين المسلمين في عالمنا الثالث رفعوا حواجب الدهشة من تلك الازدواجية في معايير الحكم في دولة مسلمة لكن المؤكد -أيضاً- هو أن الدهشة الأكبر تبقى من نصيب العالم الأول كلما راجت أخبار مجتمعات الإسلام السياسي التي تنتهج الفصل التام بين أداء العبادات والسلوك الأخلاقي، فتصوم وتصلي وتحج وتُزَكِّي ثم تفسد في الأرض .
munaabuzaid2@gmail.com