يسدل الستار اليوم، على نهاية العرس الكروي العالمي الاستثنائي الذي استضافته دوحة العرب خلال شهر كامل امتد منذ العشرين من نوفمبر الماضي، شهد العالم بأثره أمتع وأغرب وأجمل محفل كروي يمر على العالم منذ تأسيس المسابقة، جسَّدت فيه الدوحة المعنى الحقيقي للإنسانية والكرم والحرية البعيدة عن الابتزال، وعرف فيه العالم الآخر الأصالة والمعنى الحقيقي للإسلام والعروبة .
وحفل المهرجان الكروي بالعديد من المفاجآت الكروية والاجتماعية والإنسانية، اتسعت فيه مساحة قطر رغم صغرها، لاستضافة الملايين من عشاق المستديرة في جميع أنحاء العالم ونالت قطر جراء التنظيم الخرافي، منذ انطلاقة العرس العالمي العلامة الكاملة وكأس البطولة في التنظيم رغم خروج منتخبها في وقت مبكر. حافظت على القيم السمحة وقدَّمت للعالم الصورة والمعنى الحقيقي لقيم السماحة والتسامح والفن والرقي العربي الإسلامي الأصيل في نسخته الأصلية غير المشوَّهة بالتعصب و الغلو والهمجي .
رغم الصعاب ومحاولات وضع المتاريس من قبل دول كبرى وغيرها والتشكيك في قدرة قطر على اجتياز التحدي، فقد تمكنت القيادة القطرية من اجتياز الامتحان بدرجة الامتياز واضعة اسمها بماء الذهب في سِفر أفضل وأكثر أنواع الرياضة متعة وإثارة ومتابعة على مستوى العالم وهو كأس العالم لبطولة كرة القدم.
فرصة مثالية
مثَّل تنظيم بطولة كأس العالم قطر 2022م، فرصة مثالية لإبراز ما تزخر به دولة قطر ودول العالم العربي قاطبة من قدرات وإمكانات وتقاليد وعادات وثقافة عريقة، حيث قدَّمت قطر، باعتبارها ممثلة للعالم العربي والمنطقة ككل في تنظيم هذا الحدث العالمي للمرة الأولى في الشرق الأوسط، أجمل وأبهى صورة وتمكنت من استثمار قوة ونفوذ وشعبية كرة القدم في إحداث التحوُّل الإيجابي، ليس فقط على المستوى الرياضي، بل على مختلف الأصعدة، والذي يعود بالنفع على المجتمعات في قطر والمنطقة ككل والعالم برمته.
ولأجل تحقيق هذا الهدف فقد شرعت الحكومة القطرية ومنذ وقت مبكر عقب فوزها بتنظيم كأس العالم ٢٠٢٢م، في إقامة مشاريع البُنى التحتية اللازمة و استضافة عدداً من أساطير ونجوم كرة القدم في قطر والوطن العربي والعالم كسفراء للجنة العليا المنظمة
للمشاركة في نشر رؤية وطموحات دولة قطر في تنظيم المونديال، وذلك جنباً إلى جنب مع بقية الفعاليات التي روجت للبطولة العالمية
وأقامت مشروعات بُنى تحتية من ملاعب وفنادق في وقت وجيز أذهلت العالم و أكدت أن العزيمة وإلارادة إذا ما توفرت يمكن أن تتحقق المعجزات.
(٩٧٤) والنبوغ السوداني
أذهلت قطر العالم واجتازت التحدي و كانت عند الموعد، بل وتفوَّقت كما يقول السفير والخبير الدبلوماسي الدكتور عمر صالح، ويضيف رغم الانتقادات التي وجهت لقطر بأنها دولة صغيرة ولن تتمكن من استقبال الوافدين، وزاد رغم أنه خلال ٤٠ دقيقة، يمكن أن تجوب كل أطرافها، إلا أن الدوحة تمكنت من تحقيق كل الشروط المطلوبة من قبل الاتحاد الدولى لكرة القدم (فيفا) لإقامة كأس العالم، وكانت عند الموعد وعكست وجهاً مشرقاً عربياً وأفريقيا ومثلت فخراً لهم،
أضف إلى ذلك والحديث للسفير عمر صالح، فإن كأس العالم بقطر كسر الصورة النمطية بأن الكورة للكبار، فكانت المغرب والسنغال تتقدم في تصنيف الكبار، في وقت خرجت فيه دول عظمى كرويا كالبرازيل وألمانيا والبرتقال المصنفون بالأقوى كروياً بجانب ذلك عكس العرس الكوري العالمي بقطر القيم الأخلاقية والضوابط التي تؤمن بأن كرة القدم لعبة شعبية يجب إبعادها عن التصنيفات والاستغلال فكان تعاملها الحاسم مع المثليين وانتصرت قطر دبلوماسيا وقدَّمت أنموذجاً راقياً في التعامل مع الشعوب .
أما فيما يلي مشاركة وتفاعل السودانيين مع كأس العالم بقطر يقول عمر صالح: إن الحضور السوداني كان كبيراً وقدَّموا مظهراً وتفاعل جميل ونال أحد أميز المهندسين السودانيين تقدير واحترام القيادة القطرية بتصميمة المذهل للأستاد الذي ستقام عليه المباراة الختامية وأسماه إستاذ (٩٧٤) حيث يشير الاسم لمفتاح دولة قطر، واستحق بذلك التكريم و التحفيز من قبل أمير دولة قطر تميم بن حمد.
نسخة مختلفة
أي دولة يقام فيها كأس العالم تكسب سياسياً واقتصادياً وسياحياً بعكس ثقافتها وتفاصيلها الاجتماعية ومعلوم أن كأس العالم لكرة القدم فعالية تقام كل أربع سنوات، ولذلك كل تركيز العالم ينصب على الدولة المستضيفة ويضيف الأستاذ و الخبير الرياضي حسن فاروق: إن قطر نجحت في تظيم الكأس زاد في البداية كان هنالك صراع ومشاكل من قبل الدول الأوربية ووجهت اتهامات لرئيس الفيفا بلاتر بالفساد، إلا أنهم صمدوا ودافعوا خاصه بلاتر، الذي كان يؤمن بأن بطولة كأس العالم يجب أن تنظم في أفريقيا و آسيا وكل القارات ونجح بأن أقيمت في اليابان وكوريا وجنوب أفريقيا وذلك وفقاً للتقسيم القاري.وقال: إن قطر صرفت حوالي (٢٠٠) مليون دولار، لإقامة البُنى التحتية والثقافية والسياحية ونجحت كذلك في خلق انطباع إيجابي لدى الأوربيين المتخوفين من الأجواء، حيث أقيمت في أجواء ممتازة عكست ذلك كل تصريحات المشجعين الأوربيين الإيجابية حيث أشادوا بالخدمات والتسهيلات فكانت النسخة في قطر مبهرة. وأضاف إلى ذلك والحديث لفارق أن مساحة قطر الصغيرة أسهمت بشكل كبير في زيادة متعة المتابعين وإشباع رغباتهم في المتابعة و التمتع بالكورة، حيث كان في مقدور المشجع متابعة أكثر من مباراة اليوم ربما تصل إلى ثلاث مباريات بسبب قرب الإستادات، فضلاً عن سهولة الدخول والخروج عبر المنافذ خلافاً لما كان يحدث في الدول الأخرى التي أقيمت فيها البطولة، حيث لا يتمكن المشجع مشاهدة أكثر (ماتش واحد) بسبب بعد المسافات. كما حظى كأس العالم بقطر بمشاهدات عالية جداً داخل قطر (أكثر من مليون) وخارجها عبر أندية المشاهدة و المحلات التجارية، وهي بلا شك مكسب دبلوماسي. وتابع فاروق: وستظل نسخة (كأس العالم بقطر ٢٠٢٢) راسخة خاصة لدى الجيل الجديد. وبما أن البطولة القادمة ستقام في ثلاثة دول هي: أمريكا، كندا والمكسيك،فإن قطر برغم صغر حجمها غض النظر عن الكسب و الخسارة من ناحية مادية، فقد تمكنت من تنظيم بطولة كروية عالمية ناجحة بامتياز.
دروس وعبر
لا بد أولاً أن نعترف بأن قطر عملت إنجاز تاريخي غير مسبوقة بالنسبة لأي دولة عربية أوأفريقية فيما يخص الترتيب لكأس العالم وأخرست الأفواه التي كانت تشير إلى أنها دولة صغيرة لا تستطيع تنظيم البرنامج، كما يفيد بذلك السفير و الخبير الدبلوماسي الدكتور علي يوسف في حديثه لـ(الصيحة) ويضيف بأن قطر حققت مستوى عالٍ جداً في البُنى التحتية المرتبطة بالإستادات الفنادق وحققت مستوى غير عادي في التنظيم والترتيب والاستقبال وتحريك الوفود وهو إنجاز يشبه الإعجاز، و قال: رغم أنه كان حضوراً في كأس العالم الذي أقيم بجنوب أفريقيا، إلا أن ما حققته قطر إنجاز كبير، لافتاً إلى أنه إنجاز يحسب للعرب إنه يمكنهم أن يكونوا بهذا المستوى من المعرفة والإدارة والالتزام بالواثيق و العهود، إننا كمسلمين أحسسنا بأن قطر قدَّمت صورة رائعة عن الإسلام وأدب الإسلام وكيفية التعامل مع غير المسلمين وحققت إنجازاً كبيراً جداً –أيضاً- في قضية أخلاقية حولها اختلاف كبير فيما يلي المثليين، وقال يوسف: إن قطر، أخذت موقفاً حازماً من المثليين، وزاد: من حسن الحظ أن المحكمة الأوروبية أشارت إنها لا تعترف بأسر المثليبن و أنها تعترف فقط بالأسر الطبيعية ويرى أن الدوحة قدَّمت درس للعالم بسمو الأخلاق وحسن الإدارة.