“صلاة النبي تغني عن القوت وتمنع البلا والمراضي، يستاهل علقتُه بالسوط اللي معاه كفْوِ الزيارة ما راضي”.. من رباعيات السيرة الهلالية..!
كتاب السيرة الهلالية هو حصيلة أكثر من ربع قرن قضاها الشاعر المصري “عبد الرحمن الأبنودي” وهو يُطارد الرواة والحفظة لكي يجمع أشلاء هذا العمل في مجلَّد يتألف من مجموعة كتب. وحين قرأته كان المهم في الأمر هو أنِّي قد عرفت أخيراً من تكون “خضرة الشريفة” ولماذا يُضرب بها المثل في العفاف والشرف، وقد وجدت قصتها عبارة عن أبيات طويلة جداً من الرباعيات المجموعة في الكتاب الأول من كتب السيرة الهلالية بعنوان “خضرة الشريفة وما جرى لها من أهوال، في قبائل بني هلال، بالتمام والكمال”، والقصة الكاملة مجموعة في رباعيات تغنى على الربابة..!
تبدأ القصة بمأساة “رزق بن نايل” فارس الهلاليين وأميرهم الذي بلغ من العمر عتيا دون أن يرزقه الله بولد صالح يخلفه في الإمارة والفروسية، وقد ظل هذا الأمر شغله الشاغل إلى أن جاء يوم كان منزوياً عن البشر في الصحراء فإذا بهاتف من السماء يهتف به “يا رزق إذا كنت تريد الإنجاب فتزوج من أرض الحجاز”..!
فانطلق الأمير “رزق” مع ثمانين فارساً إلى بيت الله الحرام ويتصادف في تلك السنة أن يحج مع فارس بني هلال الأمير “قرضة الشريف” حامي الحرمين وحامل مفتاح الروضة الشريفة، وكان لقرضة ابنة جميلة متعلمة تحفظ القرآن وعلومه وتحفظ شعر العرب وتاريخهم وأيامهم رفضت كل من تقدم لخطبتها اسمها “خضرة”، لكنَّها تقبل بالأمير زرق لإعجابها بأخلاقه رغم فارق السن بينهما “خمسة وأربعين عاماً” فيتم الزواج وتتحقّق نبوءة الهاتف وتنجب “خضرة” للأمير “رزق” ابنته “شيحة” ثم تتوقّف عن الإنجاب أحد عشر عاماً ويصيب اليأس قلب فارس هلال الكبير ويدب الشجار بينهما..!
عندها تتّجه “خضرة” مع نساء بني هلال إلى بركة الطير وهي بركة للأمنيات تنزل عليها الطيور من كل نوع ولون، وهناك تقف النساء وتتمنّى كل امرأة طفلاً في صفات طائر. ولا يعجب “خضرة” سوى الطائر الأسود الذي قهر جميع الطيور فتتمنّى أن يهبها الله طفلاً يحمل صفات ذلك الطائر الأسود. بعد تسعة أشهر تتحقّق الأمنية وتنجب الثمانون امرأة في ليلة واحدة ثمانين طفلاً، وتنجب “خضرة” طفلاً في لون الغراب الأسود. وفي ديوان السلطان يوم “العقيقة” يكشف عن وجه الطفل الأسود لتثور فضيحة وتُتّهم خضرة، وتشتعل الفتنة التي يتقرّر بعدها طرد خضرة من منازل بني هلال..!
تخرج “خضرة” من ديار بني هلال وهي تقسم على إثبات براءتها، وفي الطريق تقرّر ألا تتّجه إلى المدينة المنورة، حيث دار أبيها بل تتوقّف أمام أبواب مدينة “العلامات” التي يخرج حاكمها لاستقبالها ويرحب بها شعبها فتقرّر الإقامة هناك. وبعد خمس سنوات قامت بتدريب ابنها “أبو زيد الهلالي سلامة” على الكثير من فنون الفروسية وألحقته بمدرسة الأمراء فأبدى نبوغاً جعل الحاكم يقربه منه. خاض “سلامة” الحروب وهو طفلٌ، وفي إحدى حروبه قابل فرسان بني هلال وهزمهم وقابل أباه فلم يهزم الوالد ولده ولا الولد والده، بل ارتدت الأيدي وتعلّقت السيوف في الهواء. عندها يكتشف “رزق” بعد أربعة عشر عاماً أن ذلك الفارس الأسود هو ابنه الغائب فتُقام الاحتفالات، وعلى سفرة المأدبة يتجاهل “سلامة” والده حين يوزع اللحم على العرب، وحين يثور “رزق” يقول له “نسيتني في القماط، نسيتك في السماط”..!
ثم يقرر “سلامة” أنه متنازل عن حقّه، لكنه متمسك بحق أمّه ويطالب والده وبني هلال أن يسير البعير الذي يحمل أمه “خضرة” على الحرير من أرض “العلامات” حتى بيتها في نجد، وحين يعجز عرب بني هلال عن تحقيق ذلك يستعين سُلطانهم بابنته “الجازية الهلالية” التي تقترح بذكاء أن يفرش العبيد أمام بعير “خضرة” كل ما لدى القبائل من حرير ليسير البعير عليه ثم يطوي العبيد الحرير من الخلف ليفرشوه من جديد أمام بعيرها، وهكذا دواليك، حتى تصل إلى مضارب القبائل..!
فيصبح ذلك الاحتفاء – الباهظ والمُرهق – اعترافاً علنياً ببراءة “خضرة” التي أطلق عليها منذ ذلك اليوم “خضرة الشريفة”..!
munaabuzaid2@gmail.com