مقالات

موسم هجرة “الساسة” إلى “السادة” .. عثمان ميرغني

في الفترة الأخيرة لفت الأنظار تواتر الزيارات الرسمية السياسية و السيادية إلى مقار الشيوخ المعروفين، الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني زار أم ضواً بان والتقى بعض سادتها الأشراف.الفريق أول محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني زار الشيخ فؤاد بمنطقة مايرنو، ثم مسيد الشيخ الكباشي والتقى بالشيخ عبد الوهاب الكباشي.
وفد من حزب التجمع الاتحادي يقوده الأستاذ محمد الفكي سليمان عضو مجلس السيادة السابق زار الشيخ أحمد الشعراني بمنطقة شمبات والتقى في مقره بعدد من المشايخ المعروفين.وفد التجمع الاتحادي –انضم إليه الأستاذ جعفر حسن- سافر إلى منطقة كدباس الشهيرة السجادة القادرية والتقى الشيخ محمد الجعلي.
هذا على سبيل المثال وليس الحصر..
فما هو مغزى هذه الزيارات و توقيتها؟
الطرق الصوفية لم تكن يوماً بعيدةً عن الشأن العام في بلادنا، وهذا مما يحمد لها، فهي متصلة بالشأن العام على مستوى المواطن والدولة. وزيارات السادة المشايخ ليست حديثة، فالرئيس الأسبق جعفر نميري عرف عنه اتصاله الوثيق بعدد من الشيوخ المعروفين.
فضلاً عن طرق صوفية لها أذرع في السياسة مثل طائفة الأنصار التي يتشكل منها عماد حزب الأمة القومي، وطائفة الختمية عظم ظهر الحزب الاتحادي الديموقراطي “الأصل”.
في السودان عموما، تمثل الطرق الصوفية فضاء مفتوحا على مصراعيه لمن رغب، فهي لا تطلب ولاء مباشراً ولا تضع معايير ونصاباً محدداً للارتباط الديني أو حتى مستوى محدد من الصلاح فتستقبل الفقير والغني، و المغمور والمشهور، والطالح والصالح وحتى غير المسلمين بأريحية تامة لأن المنهج الصوفي عماده التسامح والانفتاح.
لكن في المقابل فإن الساسة يلتمسون في السادة بمثل هذه الزيارات ماهو أكثر من البركة، خاصة عندما يزدهي خبر الزيارة بصور كثيرة تبدو فيها وجوه الساسة مطرقة الى الأرض في حضرة السادة، يكسوها عشم النوال والقبول.
شيوخ الطرق الصوفية لا يردون أحداً زارهم، بدرجة أحياناً تبدو للبعض وكأنهم يدعمون حزباً أو قيادة في الدولة ويوفرون لهم غطاء جماهيرياً، لكن ذلك ليس صحيحاً، فالأصح أن الطرق الصوفية حواضن مجتمعية تسع الجميع وترحب بحماس بمن يفد إليها.
وعلى سبيل المثال؛ في الماضي شهدت مدينة الكباشي (30 كيلومتراً شمال الخرطوم) زيارات من قيادات الحركة الشعبية قبل انفصال الجنوب، الراحل الدكتور جون قرنق، ثم أرملته السيدة ربيكا وباقان أموم وغيرهم، واستقبلت أيضاً الراحل الدكتور حسن الترابي وقيادات حزبه الشعبي، ثم قيادات الدولة في العهد السابق المخلوع البشير وزمرته وغيرهم كثر، بل حتى السفراء الأجانب من المسلمين و غيرهم.
ربما الاستثناء الوحيد في المشهد السياسي هو الحزب الشيوعي الذي لم ترصد له مصادر الأخبار اتصالاً ولو عابراً بأي من الطرق الصوفية ومقارها وسادتها، وتفسيري لذلك أن الأمر مرتبط بنظرة مبدئية فكرية تستبطن الشعار القديم المعروف “لا قداسة في السياسة”.
السادة أكثر ثباتاً في سجادتهم من الساسة في حكمهم، ففي حين تطيح رياح السياسة المتقلبة بالساسة وتلقي بهم أحياناً خارج التاريخ إلا أن السادة المشايخ وطرقهم الصوفية ثابتون كالأوتاد في مقامهم ومقارهم ووسط جماهيرهم. ولهذا الساسة يلتمسون من السادة المدد الجماهيري، لما يعلمونه من تعلق غالبية الشعب السوداني وتقديره لمقامات السادة. ولكن يظل السؤال الحقيقي، وهل فعلاً يمنح السادة المدد الجماهيري للساسة؟
الإجابة الصادمة.. لا.. بل ولا كبيرة..
السادة أصلاً لا يمارسون تسلطاً سياسياً على أتباعهم لأنهم يدركون أنهم من مشارب سياسية متعددة ولا يجمعهم إطار فكري أو تنظيمي أو حتى تنسيقي. ويدركون أن أية محاولة لكتابة “شيك” جماهيري لصالح سياسي أو حزب سيرتد بلا رصيد، بل قد يؤثر حتى على مقام السادة المشايخ بين أتباعهم.
ولكن في المقابل فإن السادة يباركون الساسة ومساعيهم طالما التجأوا إليهم، قناعة أو مجاملة، على الأقل من باب (وتبسمك في وجه أخيك صدقة) وأعلى مقامات التبسم التبسط في بذل الدعم المعنوي بالدعوات والبركات.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى