مقالات

محجوب مدني محجوب يكتب: بين الفكر والفكر المناهض له

محجوب مدني محجوب

أحيانا البعض يحسن للفكر المناهض له بالرغم من أن مقصده وهدفه هو التقليل من شأنه.
وذلك باعتبار أن الجهل، وتقييم حقيقة الأشياء لا يجتمعان.
فحينما يهاجم البعض فكرة  الحكم المدني، فهذا الهجوم دعم له.
كيف؟
إذا أردت أن تعرف قيمة مخطوطة أثرية عند جاهل فألقها أمامه، فلربما ينهض ويمسح بها جزمته لاعتباره أنها مجرد خرقة في حين أن قيمتها لا تقدر بثمن.
فهناك ارتباط وثيق بين الجهل، وعدم التقدير للأشياء الثمينة.
ووفقا لهذه القاعدة يمكن أن تثبت أحدهما الأخرى.
بمعنى إن كان هناك ثمة جهل، فسوف يشير ذلك مباشرة إلى أن ثمة أمر ثمين مهملا.
جهل مضاف إليه هجوم يعني تحقير لقيمة عظيمة.
وعليه يمكن إثبات العكس.
تحقير لقيمة عظيمة يعني وجود جهل.
فكلا الأمرين يدلل على الآخر.
فيا من تهاجمون وتحقرون المدنية ودعاتها، فهذا دليل جهل؛ لأن التجربة أثبتت بأنه لا بديل للمدنية على الإطلاق في ممارسة الحكم.
جملة القول من ذلك أن الجاهل لو أقر بأهمية المدنية، فإن ثمة خلل ما في هذا الإقرار؛ لأن الجهل وإدراك الحقائق لا يجتمعان.
أما إذا أنكر الجاهل أهمية المدنية، فهذا دليل على صحتها، وبالتالي إنكاره لها محمدة.
أكبر داعم للجهل بالمدنية هو ربطها بمن يسيء إليها، فقطعا ليس كل ما يساء إليه فهو سيء، فمن يسيء استخدام الماء مثلا، فلا يعني ذلك أن الماء سيء، وطبعا الجاهل يحكم بظاهر الأشياء، ولا بقدرته ولا بإمكانه أن يميز بين الشيء وبين من يمارسه، لا يستطيع تفريق ذلك عليه بالظاهر فقط، فإن وجد سوءا نسبه مباشرة لمصدره.
وسبحان الله أكثر المتضررين من عدم الاعتراف بمدنية الحكم هم العساكر أنفسهم وذلك لسببين:
الأول: إن عدم الاعتراف بمدنية الحكم من أجل إبدالها بحكم العسكر يبعد هذا الفهم العساكر عن مهمتهم الأساسية، وهي حماية البلد وفي ذلك ضياع للبلد.
الثاني: فرض الحكم بالقوة سيؤدي إلى ظهور مليشيات ومجوعات لها الرغبة في الحكم، وفي ذلك ضياع للجيش والبلد معا.
لا تستقيم الأمور إلا إذا كل جهة أدت مهامها.
غير ذلك لن يستفيد أحد، والكل متضرر.
والسؤال:
ما السبب الذي يجعل البعض يتمسك بحكم العسكر بالرغم من أن مهمته وأكادمياته كلها تنحصر في حراسة وحماية البلد؟
عدة أسباب جعلت البعض يتعلق بهذا الفهم منها:
* حكم العسكر يختصر الصراع بين المتنافسين في الحكم، فبين ليلة وضحاها سيجد من يحكم بالعسكر أنه مسيطر على كل مفاصل الدولة يأمر وينهى متى ما شاء لا يعترض عليه أحد، فكل من يعترضه يكمم فاه أو يقطع لسانه.
وما علم أن هذه السياسة تنخر في حكمه كما ينخر السوس في الخشب.
* لا يقبل على الإطلاق أن يكون هناك رأي مخالفا لرأيه، فالرأي عنده واحد كما الحاكم تماما فهو عنده واحد لا يتغير.
* يعتقد كل الاعتقاد أن من يسير دولاب الحكم هم الأشخاص، وليس المؤسسات، فحتى عند تقييمه للمؤسسات لا يتحدث عن نجاحها من خلال ذكر جودة نظامها أو دقة برامجها، وإنما يربط كل نجاحها بسبب أن مديرها فلان أو أن من كان سببا في تأسيسها علان.
وإذا فشلت كذلك ليس بسبب سوء نظامها، وإنما بسبب أن رئيسها فلان.
لا حل مع هؤلاء إلا بتجاوزهم؛ لأنه من الاستحالة بمكان إقناعهم إذ أن فكرهم وعقلهم مركب على تقدير الأشخاص لا المؤسسات، وهذا المعتقد لن يأتي يوم ويزول عن أذهانهم.
لا حل معهم إلا بتجاوزهم، فلا إقناعهم ممكن، ولا الرضا بفكرهم يمكن أن يغير حقيقته. فالعمل والسير قدما على تثبيت مبادئ الحكم المدني هو الحل الوحيد.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى