مقالات

زين العابدين صالح يكتب: حزب الأمة يكسر قاعدة الشعارات السياسية

زين العابدين صالح عبد الرحمن
قدم حزب الأمة القومي خارطة طريق للقوى السياسية و المكون العسكري و رئيس الوزراء، و تقول قيادة الحزب أنها رؤية للحوار تقبل الحذف و الإضافة، بإعتبارها مسودة تحتاج إلى آراء كل القوى السياسية، حتى تصبح برنامج عمل ينقل الساحة السياسية من مربع إلى مربع أكثر تقدماً من السابق. و تقديم خارطة طريق تعني فتح باب الحوار بين القوى السياسية و جميع مكونات الفكرة الإنتقالية، لكن الخارطة مالت إلي التصالحية الإجتماعية التي يطلق عليها شعبياً (الجودية) أن يكون الجميع في حالة رضا.
قبل الدخول في قراءة الخارطة، تعتبر خطوة حزب الأمة خطوة مقبولة و ضروية، قد تحدث إختراقاً موضوعياً في الأزمة التي تعيشها البلاد حالياً، إذا قبلت القوى أن تكون الخارطة محوراً للنقاش، و الإنتقال إلى مربع حوار مفتوح بين القوى السياسية و أيضاً أهل الفكر و الرأي. و الحوار الهدف منه هو إمتصاص حالة الإحتقان، و فتح النوافذ للهواء النقي لكي يمر و ينعش عقول الساسة. و الخطوة ضروية لأن الحوار نفسه يفتح أفاقاً جديدةً للحل. و كما ذكرت في عدد من المقالات سابقاً، أن العمل بالشعارات في السياسة هو محاولة للتغطية على القصور في الإنتاج الفكري، أي القصور في العمل الذي تقوم به الفئة التي تشتغل بأدوات الذهن داخل التنظيم، لذلك يعتبر تقديم مبادرة للساحة السياسية غض النظر عن مضمونها خطوة متقدمة، لكنها أيضاً تحتاج من أصحابها سعة الصدر، و السماع لآراء الآخرين خاصةً المخالفين للرأي.
قال اللواء فضل الله برمة ناصر رئيس حزب الأمة القومي في المؤتمر الصحفي الذي عقد في دار حزب الأمة لطرح خارطة الطريق: (أناشد كافة فئات المجتمع والقوى الثورية بأن السبيل لمستقبل آمن وتجاوز الأزمة؛ هو التنادي، والتفاهم والتراضي، والإجماع قدر المستطاع لاستعادة الشرعية، واستمرار الفترة الإنتقالية). الجملة نفسها تعد مساومة سياسية، تخاطب قاعدة حزب الأمة قبل مخاطبة الآخرين، بإعتبار أن قيادة حزب الأمة منقسمة على نفسها مما يتضح من قراءة الخارطة، هناك مجموعة تتمسك بشرعية ما قبل إنقلاب 25 أكتوبر و سير مع المجلس المركزي، و هي متمسكة بالعودة للسلطة. و أخرى تعتقد أن توقيع البيان السياسي بين البرهان و حمدوك قد خلق واقعاً سياسياً جديداً، و الواقع له معطياته، بإعتباره لا يسمح بالعودة إلى ما قبل 25 أكتوبر، لذلك تحاول الخارطة أن توفق بين الموقفين. لكن ديباجة الخارطة تقول أن الخروج من الأزمة هو التنادي و التفاهم و التراضي عبر الإجماع قدر المستطاع لاستعادة الشرعية، و الإتفاق حول كيفية إنجاز مهام المرحلة الإنتقالية. هذه الفقرة فيها غموض و غير واضحة ما هو المقصود بالشرعية، هل هو إعتماد الوثيقة بإعتبارها المرجع؟ أم عودة السلطة التي كانت قبل إنقلاب 25 أكتوبر. و إذا كان الرجوع للحكومة السابقة لماذا إضافة كلمة (التفاهم) و يتم حول ماذا؟
أن الخارطة في بعض الفقرات أقرب للتحيل السياسي منها إلى منهج للعمل يقدم للحوار، مثلاً تتحدث عن تغول العسكر لبعض المهام التنفيذية، و هي من صلاحيات رئيس الوزراء. و هنا يأتي السؤال أين كانت الحاضنة السياسية عندما تم ذلك التغول؟ أليست هي مسؤوليتها السياسية، و لماذا سكتت عليها حتى تفجرت الأوضاع داخل الشراكة؟ و في فقرة أخرى تقول (تعديل النص على طبيعة الحكم الفدرالي بين الأقاليم و الولايات لتناقضه مع الواقع و إحالة الأمر لمؤتمر الحكم و الإدارة مع عقده في أقرب وقت)، أيضاً السؤال أين كانت الحاضنة السياسية لكي تقدم أعتراضها لأنه يمثل إنتهاكاً للوثيقة الدستورية؟ و تنتقل الخارطة لقضية الإقتصاد و تقول ( إجراء إصلاح إقتصادي يتبع سياسة السوق الحر الإجتماعي) ماذا تعني كلمة إجتماعي في الفقرة. هل محاولة لترضية الإخوة أصحاب الرؤية الإشتراكية في الإقتصاد التابعين للجنة الإقتصادية لقحت)؟ و نذكر أن إضافتها تحتاج لتقديم رؤية فكرية حتى تفهم في السياق الصحيح لها. و في فقرة أخرى تتحدث الخارطة على تكوين مجلس للمفوضيات. و هذه أيضاً أضافة ليس لها معنى. بإعتبار أن الإشراف الكامل على آداء المؤسسات التنفيذية هي مهمة المجلس التشريعي، حيث يقدم مساءلات لكل الوزراء و المفوضين و أيضاً رئيس الوزراء، و يحاسبهم ليس هناك ضرورة تقتضي تكوين مجلس للمفوضيات.
في قضية السلام، تقترح الخارطة قيام مؤتمر للسلام يدعى إليه كل من عبد الواحد محمد نور و عبد العزيز الحلو. الفكرة صائبة جداً، على أن تصبح إتفاقية جوبا للسلام هي المسودة الرئيسية محور النقاش و يتم فيها التعديل و الإضافة و الحذف. و عن مجلس الوزراء و مجلس السيادة تقول الخارطة (مطلوب تراض جديد على تكوين المجلسين و شاغليهم وفق متطلبات الوثيقة الدستورية ) لكن لم تشر الخارطة قبل تعديل الوثيقة أم بعدها. بإعتبار أن عودة الأحزاب للوظائف الدستورية التنفيذية مسألة مخلة تماماً في الفترة الإنتقالية، لأنها يمكن أن تصبح آداة دعائية لأحزاب المحاصصة، و الأفضل كفاءت مستقلة. و تذهب الأحزاب لكي تعد نفسها للإنتخابات.
حول قضايا الفساد؛ قدمت الخارطة رؤية صائبة، أن تكون مفوضية للفساد و يدمج قانون لجنة إزالة التمكين مع قانون المفوضية، و تكون لجنة إزالة التمكين إحدى إدارات مفوضية الفساد، و بالتالي تقع تحت المحاسبة و المراقبة على المجلس التشريعي و المؤسسات العدلية، و هذا يتماشى مع القيم الديمقراطية.
تحدثت الوثيقة كثيراً عن الحاضنة السياسية، لكنها لم توضح هل بعد تكوين المجلس التشريعي هناك ضرورة للحاضنة السياسية، و إذا كانت هناك ضرورة وفقاً للوثيقة ما هو دور الحاضنة، إذا كان المجلس التشريعي سوف يصبح ساحة العمل السياسي و التشريعي و مراقبة و محاسبة الهيئات التنفيذية، و بالتالي سوف تكون الأحزاب في حالة صراع سياسي داخل هذه المؤسسة، فلا يمكن أن تكون هناك مؤسسة تشريعية و تكون هناك حاضنة سياسية. ثم تحدثت الخارطة عن المؤتمر الدستوري و إنعقاده في نهاية الفترة الإنتقالية، لكنها لم توضح هل سوف يكون المؤتمر قاصراً على الحاضنة السياسية و الجبهة الثورية، و لوحدهما يشكلان سودان المستقبل، أم سوف تدعى إليه القوى السياسية الأخرى التي كانت مشاركة مع نظام الإنقاذ، سكتت الخارطة تماماً. و أيضاً لم تتحدث الخارطة عن مفوضية الإنتخابات و قانون الإنتخابات، ما هي القوى التي يقع عليها عبء عملية تحديد الدوائر و قانون الإنتخابات. أن الخارطة مطروحة كما قال رئيس حزب الأمة للحوار و تقبل الإضافة و الحذف. و تقديم خارطة في هذه الفترة التي تشهد إنسداداً كاملاً محمدة. و نسأل الله حسن البصيرة.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى