اخبار السودانمقالات

إبراهيم شقلاوي: الخرطوم… حوافز تنتظر العائدين

وجه الحقيقة |

تعيش ولاية الخرطوم واحدة من أعقد لحظات تاريخها المعاصر، بعد الحرب التي جعلت العاصمة في حالة من التشظي والتراجع، عقب موجات من النزوح الجماعي للمواطنين، وتدمير واسع للبنية التحتية، وانهيار شبه كامل في الخدمات الأساسية.

 

هذا الواقع يفرض تحديًا وجوديًا على الولاية بكاملها : كيف تعود إلى الحياة؟ وكيف يعود الناس إلى منازلهم وسط هشاشة أمنية واقتصادية ما تزال تلقي بظلالها على كل التفاصيل؟

إلى جانب مظاهر الدمار هناك تفكك أصاب مؤسسات الدولة، بالإضافة الي ضعف الثقة بين مكونات المجتمع، وغياب المشروع الوطني الجامع للسودانيين. الخرطوم اليوم عاصمة منكوبة تحتاج إلى إعادة بناء الثقة، و عقد اجتماعي جديد يُعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة، ويؤسس لمرحلة مختلفة في الفكر والممارسة. فاستعادة الأمن على أهميته، لا يكفي وحده، بل لا بد من مشروع متكامل يعيد بناء الإنسان والمؤسسات.

وسط هذا الواقع المعقد، بدأت تلوح في الأفق بوادر أمل. الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور كامل إدريس تحاول تقديم إجابات عملية على الأسئلة المؤجلة، عبر إطلاق سلسلة من الحوافز والمبادرات التي تهدف إلى تشجيع العودة الطوعية للسكان، وتهيئة المدينة من جديد للحياة.

 

خطوات بدأتها لجنة اعادة الإعمار بإعادة تشغيل الكهرباء في أجزاء من العاصمة، خاصة في المحطات الحيوية والأحياء السكنية، إلى جانب إصلاح محطات المياه وتأهيل المستشفيات والمراكز الطبية والجامعات والمطار . هذه الإجراءات، تمثل بداية، وخطوة أولى في مسار إعادة بناء الثقة وعودة الحياة المدنية.

 

حكومة الأمل التي يقودها د. كامل إدريس تبدو واعية بهذا التحدي، وتحاول الانتقال من إدارة الأزمة إلى قيادة مشروع إعادة البناء، من خلال حزمة سياسات تهدف إلى استعادة الثقة بين الدولة والمواطن، وتهيئة المناخ لعودة الناس.

أمس رئيس الوزراء التقي مدير عام شركة “سلعتي”، نبراس حسين لمناقشة بدء دور الشركة في توفير السلع الأساسية للعائدين، ووجّه بالإسراع في التنفيذ، ضمن برنامج “الأمل” الذي أطلقته الحكومة لتخفيف أعباء المعيشة وتهيئة الظروف للعودة الكريمة.

 

كما كانت للدكتورة عزة إدريس، حرم رئيس الوزراء، مشاركة لافتة، من خلال زيارتها لمستشفى عثمان دقنة ومستشفى الأطفال، حيث التقت بالكوادر الطبية، وأكدت التزامها بتحسين الخدمات العلاجية ، خاصة في ما يخص الأطفال والرعاية الصحية الأولية.

كذلك يواصل والي الخرطوم احمد عثمان حمزة استقبال المواطنين العائدين من القاهرة، ضمن برنامج ممول من هيئة الصناعات الدفاعية، في المقابل، تتحمل الحكومة مسؤولية تنظيم عودة القادمين عبر المعابر البحرية والجوية، استمرارًا لالتزامها باستقبال العائدين من سلطنة عمان ومن المملكة العربية السعودية .

ووسط هذه التحركات، برزت مقترحات تدعو لأن يكون رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس وحرمه الدكتورة عزة إدريس في استقبال افواج العائدين جوًا وبحرًا، في خطوة رمزية ذات بعد وطني، تعكس حرص الدولة على إعادة اللحمة بين الحكومة و المواطن والوطن.

ما تزال الخرطوم، رغم كل ما أصابها، تملك مقومات النهوض. موقعها الجغرافي يجعلها حاكمة بين شمال إفريقيا ووسطها وشرقها، ومواردها الطبيعية الضخمة توفر قاعدة صلبة لأي مشروع تنموي، فضلًا عن الكتلة الشبابية التي ما زالت تؤمن بإمكانية التغيير والنهوض. لكن هذه الإمكانات ظلت معطّلة لعقود، بفعل غياب الإرادة السياسية والرؤية الموحدة، وتفشي صراعات النخب وانعدام استقرار المؤسسات.

من هنا، تبدو تجربة رواندا مثالًا ملهمًا يستحق التوقف عنده. دولة خرجت من واحدة من أبشع المجازر في التاريخ الحديث، لكنها استطاعت خلال سنوات قليلة، أن تتحول إلى قصة نجاح إفريقية في مجالات التعليم والابتكار والحوكمة.

 

اعتمدت رواندا على إرادة سياسية صلبة، ومشروع وطني واضح المعالم، واستثمرت في الإنسان قبل البنية التحتية. تجربة مدينة كيغالي للابتكار، التي باتت تُعرف بوادي السيليكون الإفريقي، تؤكد أن الخروج من الكارثة ليس مستحيلًا، لمن يملكون الرؤية والإرادة.

هذا النموذج ليس بعيد المنال بالنسبة للسودان، الذي يملك من المقومات ما يجعل من العاصمة الخرطوم نقطة انطلاق لمشروع وطني حقيقي. لكن هذا يتطلب تحولًا في طريقة التفكير، ونقلة نوعية في أسلوب الإدارة، تقوم على الشراكة لا الوصاية، وعلى التخطيط السليم.

مع استمرار التحديات، يظل التقدم هشًا وقابلًا للتراجع ما لم يُدعّم بخطة استراتيجية جاذبة طويلة الأمد.

بحسب #وجه _الحقيقة فإن هذه الحوافز التي بدأت الحكومة بإطلاقها هي البداية لمشروع أوسع، إذا ما وُضع في إطار رؤية وطنية متكاملة للنهوض. وتمكنت الحكومة من تحويل هذه المبادرات إلى واقع عملي يتجاوز الشعارات، فإن الخرطوم ستبدأ فعليًا في استعادة دورها كعاصمة نابضة بالحياة، وسيخطو السودان خطوة جادة نحو التعافي وإعادة البناء.

دمتم بخير وعافية.

الإثنين 18 أغسطس 2025م Shglawi55@gmail.com

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

عبدالمحمود نورالدائم

عبدالمحمود نورالدائم – كاتب ومحلل اقتصادي واجتماعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى