مقالات

زين العابدين صالح يكتب: هل أزمات البلاد انعكاس لأزمات فكرية؟

زين العابدين صالح عبد الرحمن
في حوار سياسي جمعنا و نحن طلاب علم في العراق مع السيد ناجي علوش الذي كان رئيس منظمة التحرير العربية “الفلسطينية”التي انشقت عن منظمة التحرير الفلسطينية، و كانت تتبع لحزب البعث ” العراق” ثم خرج علوش من المنظمة، و جعل نفسه مفكرا ماركسيا، في حوار في مكتبه حول القراءات المتعددة للفكر الماركسي، قال أن النخب العربية جميعها لم تستطيع أن تفهم الماركسية بالصورة السليمة، و تجعلها منهجا علميا لتحليل الواقع السياسي، و هذا المنهج يحتاج لإعادة النظر باستمرار بسبب المتغيرات في حركة الفكر العالمي و في المجتمعات، و يجب أن تبدأ قراءة الواقع أولا في الاقطار العربية كل على حدى، و الثاني ثم الأمة العربية مجتمعة، و قال أن عدم الفهم هو الذي خلق هذا التناقض في المواقف. أن المرء يكون مؤمن بفكرة و عند اختبارها مع الواقع تعجز أن تقدم تصورا متكاملا للخروج من الأزمة. و كان على المرء أن يعيد قراءته و التأكد من الفكرة التي يحملها إذا كانت تساعد على ذلك أم هي نفسها معطوبة و تحتاج إلي مراجعة. و قال في قناعتي الذاتية أن الفكرة حتى الآن ليس بها خلل.
و في القاهرة جاء روجي غارودي المفكر اليساري الفرنسي الذي أسلم و بدأ مسيرته مع فكر أخر. جاء بدعوة من مؤسسة الإهرام، و تلقيت دعوة لحضورة ندوته الفكرية، و كان قد حضرها كبار الكتاب و المفكرين المصريين في فندق ماريت بالزمالك. في حديث غارودي عن تحوله من الماركسية إلي الأسلام. قال أن القراءة و التعمق في فهم رسالة النبي محمد ” عليه الصلاة و السلام” هو الذي أوجد دافع التحول. و قال غارودي أن مشاكل الإنسان و التحديات التي يفرضها الواقع على المجتمعات لا تقبل الأفكار الصماء، لأنها توقع صاحبها في تناقض، أو أن تؤدي بهي إلي اتباع نتائج خاطئة، لأنه دائما لا يعتقد أن الفكرة التي يؤمن بها، يمكن أن يكون بها خلل لا يساعده على فهم المشكل، و عدم الاعتقاد يجعله يرمي اللوم على الأخرين، رغم إنه يحتاج إلي أفكار جديدة مفتوحة تساعده لقراءة الواقع بموضوعيةلمعرفة أسباب المشكل. المسألة الأخرى؛ إذا كان المرء منفتح العقل سوف يساعده عن إيجاد الحلول في الأفكار الأخرى للظاهرة التي يدرسها. أن الإنسان المغلق في التفكير أيضا سوف يصبح مغلقا في تصوراته لآن خياراته محدودة.
أن العمل السياسي في إدارة الأزمات يحتاج إلي الحكمة، و التعمق في مقاصد القول، دون الاستعجال على الرد، ربما يكون المقصد واحدا، لكن تتعدد خيارات الحل حسب طبيعة الأفكار و المعتقدات التي يحملها الناس. مثالا لذلك عندما دعا الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش، الشعب السوداني إلى تغليب “الحسّ السليم” والقبول بالاتفاق الذي أبرمه رئيس الوزراء عبدالله حمدوك مع الجيش لضمان انتقال سلمي “إلى ديمقراطية حقيقية في السودان”وكان قد قال غوتيريش، خلال مؤتمر صحافي “أتفهّم ردّة فعل أولئك الذين يقولون “لا نريد أيّ حلّ مع الجيش” لكن “بالنسبة لي، فإنّ إطلاق سراح رئيس الوزراء وإعادته إلى منصبه هو نصر مهمّ. و أضاف ينبغي علي أن أدعو إلى الحسّ السليم. أمامنا وضع غير مثالي ولكن بإمكانه أن يتيح انتقالاً فعّالاً إلى الديمقراطية”.في الوهلة الأولي تعتقد الأغلبية أن غوتيريش يريد مناصرة الاتفاق، لأنهم ينطلقون بالحكم من أرضية تتيح لهم النظر عبر لونين ” الابيض – الأسود” و لا يتفهمون الأرضية الفكرية لصاحب القول. أن قول غوتيريش منطلق من ثقافته الديمقراطية، و رؤيته أن مسير الألف ميل يبدأ بخطوة، لذلك يجب أن تكون ردة الفعل لمثل هذا التصريح، يجب فهم دوافع الشخص مع قراءة لثقافته و أفكاره، لكن تجد هناك من انطلق من ثقافة المؤامرة أن الرجل يتأمر على الثورة، فالقراءة الخاطئة تؤدي إلي نتيجة خاطئة، لكن بعض الكتاب يعلمون أن الرجل يريد أن تنجح بعثته في السودان في عملية التحول الديمقراطية، و هو يعتبر أن المسألة ليست باليسر، لآن هناك عقبات كثيرة سوف تعترض عملية التحول، ليس فقط الانقلاب وحده، و أيضا ضعف الثقافة الديمقراطية، و هناك أيضا قوى سياسية لها مصالح تتضرر في النظام الديمقراطي، و هناك قوى سياسية تريد السلطة و ليس لها رغبة فيالديمقراطية. أن الانتقال يحتاج لعصف ذهني و الخروج من الإرث الثقافي السياسي التقليدي في السودان الذي أدي لتراكم الفشل يعتبر أكبر عائقا لعملية التحول الديمقراطي، لذلك يجب التفكير خارجه الموروث و الثقافة الشمولية حتى تفتح أفاقا جديدة.
أن أغلبية السودانيين تتقدم العاطفة في الحكم على الأشياء على المسائل الفكرية، و الانطباعية في العمل السياسي غير مرغوب فيها، و يجب التمعن و التدقيق و الفهم الصحيح للمكتوب و الخطاب السياسي، قبل الرد عليه، و الديمقراطية ليست هي شعار بل هي مبادي و قيم يرابط بعضها البعض. و ليس الشخص مطالب أن يجري وراء الناس لكي يـتأكد أنهم اقتنعوا بحديثه و فكرته، بل يبلغهم برؤيته و يجعلهم يفكرون فيها و يقدمون أسئلتهم لكي تكتمل عندهم الرؤية لكي يتم ” الوعي” فالفكر يشكل القاعدة الأساسية لوعي الإنسان لفهم االحركة التي تجري حوله، و حل تعقيدات طلاسم الحياة و العمل السياسي. فالسؤال هل تزايد الأزمات في السودان نتيجة لغياب الفكر في السياسة أم لأزمات أخرى مبطنة لا تريد أن تفصح عنها النخبة السياسية؟ نسأل الله للجميع حسن البصيرة.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى