. محجوب مدني محجوب
الثورة جميلة ومستحيلة.
الكل يتودد إليها.
يتودد إليها من يريد حكما ديمقراطيا مدنيا، فلا هو حصل على الحكم الديمقراطي، ولا هو كف عن حبها ومغازلتها.
يتودد إليها من يريد حكما ديكتاتوريا بحيث يعمل على استغلال شعاراتها وخداع جماهيرها ليجعلهم جميعا تحت قبضته؛ لينقض إليهم في لحظة الصفر، ومن ثم يتمكن من ممارسة سطوته وتسلطه عليهم.
يتودد إليها النظام البائد حيث يجمع في الحشود ويشتري دعمهم ليسيطر به على الشارع ليرجع بها نعيمه القديم .
فمن الذي يظفر بها؟
الثورة تنظر لهؤلاء جميعا في صمت، ولو خيرت لاختارت صاحب الديمقراطية والمدنية.
عيبها الوحيد أنها لا تختار تنظر فقط للمتصارعين.
فإن كان صاحب الديمقراطية ضعيفا.
وكان جاهلا بما يحيط به من مخاطر، فلن تحميه هي من ذلك بل لا تستطيع أن تحمي نفسها وسوف ينقض عليهما الديكتاتور سواء السابق او اللاحق في أي لحظة.
أما إن كان صاحب الديمقراطية قويا ويدرك تماما ما يحيط به من مخاطر فسوف يحصل على الثورة ويجعلها ملكا له، ويسعد بها وتسعد به، فهو بذلك قد بلغ رشده وقوي ساعده وأدرك مكر خصمه، وبالتالي سيحقق ديمقراطيته ومدنيته.
فالثورة جميلة وجذابة لا يختلف اثنان في ذلك لكن كل واحد من المتصارعين حولها يريدها لهدفه ومبتغاه فالحاصل عليها هو الأقوى وهو الذي انتصر على منافسيه.
فكل متنافس حولها إذا لم يحصل عليها، فلا ينبغي أن يلومها، ولا ينبغي أن يلوم من ظفر بها.
لا يلوم إلا نفسه الضعيفة التي لم تستطع أن تظفر بها.
الثورة غاية في الجمال والروعة وكل صفاتها محبوبة والكل متمسك بها ويرغبها.
عيبها الوحيد هي أنها لا تختار.
فلو خيرت لاختارت من تحبه ويحبها.
لاختارت الديمقراطية والمدنية.
لكنها لا تختار وإنما يأخذها ويمتلكها الأقوى.
فإن كان الديكتاتور هو الأقوى، فسوف يمتلكها ويحقق عبرها نزواته وشهواته.
وسوف يجلس الديمقراطي المدني يتحسر ويبكي على ضياع محبوبته منه.
الثورة ليست فقط تعشق الديمقراطية بل هي ملهمتها وتمثل بالنسبة لها فارس أحلامها إلا أنها لن تكون من نصيبها إلا إذا كانت الديمقراطية قوية وتغلبت على كل ديكتاتور يريد أن يسلبها منها.
لا تلوموا الثورة إذا استولى عليها ديكتاتور.
لوموا الديمقراطية التي لم تعرف أن تحافظ عليها.