مقالات

عثمان ميرغني يكتب : لماذا أحد العُمَرين؟

حديث المدينة – الإثنين 25 أغسطس 2025

في الأثر: «اللهم أعز الإسلام بأحد العُمَرَين».
لماذا ليس بكلا العُمَرَين؟
ولماذا “عمر” واحد، طالما أن الله سبحانه وتعالى يهدي من يشاء وقادر على أن يجمع بينهما؟

الحساب العددي يجعل مصدر القوة في العدد، وليس في الفكرة.
وكان الأجدى أن تُذكر قائمة بأشراف قريش وقياداتها، ويُطلب ضمهم إلى الدين الجديد، طالما أن الدعاء مستجاب.
لكن الأمر ليس بحساب قوة الفكر، بل بقوة الفكرة نفسها.

اختيار العُمَرَين لم يكن لأنهما الأشد قوة مادية أو عضلية، بل لأنهما كانا الأكثر عداءً للفكرة.
فإذا ما انحاز أحدهما، فإنه يُخلخل الفكرة الأخرى التي غادرها، ويمنح قوة إعلامية للفكرة الجديدة.

الرسول صلى الله عليه وسلم أرسى معالم فكرٍ عماده الحرية والاستقامة.
الاستقامة تعني اتساق الفكر والقول والعمل في خط مستقيم واحد.
«الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا» [فصلت: 30]، ربطوا الفكرة بالقول والعمل في خط مستقيم متسق ومتناسق.

العُمَران هما أشد الأعداء. لو بُنيت الفكرة على العداوة أو نزوة الانتقام، لكان الأوجب أن يكون الدعاء: «اللهم اخسف الأرض بكلا العُمَرَين».
لكن عندما استأذن جبريل النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يُطبق على كفار مكة الأخشبين – وهما جبلا مكة – رفض الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ.
لم ينظر إلى حاله وهو منهك، مطارد، ومحارب، بل نظر إلى أفق استراتيجي بعيد، يتجاوز غبن النفس ونزوة الانتقام، وقال: «لا، بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئًا».

عندما يتسع النظر، وتكون الفكرة هي الهدف وليست وسيلة لإثبات الذات، فإن الغاية تسمو عن نوازع النفس الأمارة بالسوء.

دخل أعرابي مسجد الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم، وغلبته حاجته البشرية الطبيعية للتبول، فانتحى ركنًا داخل المسجد وبدأ يتبول.
هاج الصحابة وماجوا، وأرادوا أن يضربوه.
نهاهم الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم، بل قال: «دعوه ولا تقطعوا عليه بوله، ثم أريقوا على بوله ذنوبًا من ماء، فإنما بُعثتم ميسرين ولم تُبعثوا معسرين».
ثم شرح للأعرابي طهارة المكان وأنه مقام للصلاة والذكر، فقال الأعرابي: «اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا».

قوام الفكرة مبني على الارتقاء بالنفس الإنسانية، مهما كانت منحطة أو موغلة في الشر.
«يا خير من جاء الوجود مبشرًا.. بالحق والعدل الذي لا يناء» [من قصيدة أحمد شوقي].

نقلا عن  ـ التيار

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى