حديث المدينة الثلاثاء 29 يوليو 2025
اجتماع الرباعية..
ينعقد في العاصمة الأمريكية واشنطون مؤتمرا يضم مصر والسعودية والإمارات اضافة للولايات المتحدة الأمريكية المستضيفة. وحسب المعلومات التي حصلت عليها من مصادر رفيعة المستوى زميلتنا الصحفية النابهة سمر ابراهيم في صحيفة “الشروق” المصرية.. من المتوقع أن يصدر بيان مشترك يحدد رؤية “الرباعية” للأزمة السودانية في (ما يتعلق بوقف اطلاق النار، واطلاق عملية سياسية تنهي حالة التجاذب الحاد بين الأطراف كافة، ووقف التدخلات الخارجية، و التركيز على الجانب الإنساني وادخال المساعدات إلى الأماكن المتضررة، والتأكيد على وحدة وسلامة الأراضي السودانية وسيادة الدولة والحفاظ على وحدة مؤسساتها..).
كل البنود لا غبار عليها، ما عدا الأول، وقف اطلاق النار. معلوم أن عشرات الهُدَن التي شهدتها الشهور الأولى للحرب، كانت تُستَغل بواسطة قوات الدعم السريع لتعزيز تموضعها والدفع بمزيد من الحشود والمؤن لتغذية المجهود الحربي. يساعد في ذلك عدم وجود آلية ميدانية لمنع التحركات العسكرية..
وحاليا الوضع الميداني أكثر تعقيدا، فالعمليات العسكرية في مناطق متباعدة نائية بعد أن نجح الجيش في استعادة ولايات الوسط.. وتقريبا انتهت حرب المدن والشوارع وتحولت الآن إلى معارك في الصحاري والمناطق الريفية قليلة العمران.
وقف اطلاق النار يتطلب قوات أخرى للفصل بين المتقاتلين.. وهذا أمر لا يمكن تدبره إلا وفق قرار من مجلس الأمن بالفصل السابع يخول استخدام القوة لانفاذه. وبالضرورة هذا مستبعد للغاية.
و إذا قررت الآلية الرباعية فرض وقف لاطلاق النار فغالبا سينهار سريعا و يعود القتال أسوأ مما كان.
الأفضل في تقديري أن تقفز الرباعية إلى مربع إنهاء الحرب دفعة واحدة.. ورغم أن الكثيرين يرون ذلك عصيا وربما يستغرق وقتا لا تسمح به الأوضاع الانسانية التي يعانيها المواطن السواني، إلا أنني موقن أنه أسهل من أي إجراء آخر.. بل حتى ايصال المساعدة الانسانية تحت ظلال السيوف وهدير المدافع.. أمر عسير وضعيف التأثير على الواقع الانساني.
انهاء الحرب قرار سياسي وليس عسكريا.. صحيح أن الذي يصدر التعليمات الميدانية هم العسكريون لكن ذلك يخضع للتقدير السياسي.. فهي حرب نشأت على خلافات سياسية، وبأجندة سياسية.. و كذلك يجب أن تخرج من الباب الذي منه أتت..
تهيئة الأجواء لقرار سياسي يعني عمليا أن يرتقي جميع الساسة إلى مستوى المسؤولية عن وطن ينهار ومواطن يموت في اليوم أكثر من مرة.. ويوافقوا على توحيد الهدف، إنهاء الحرب، مهما اختلفت الرؤى و حملت القلوب أثقالا من المرارات والأحن.
تحديد مسؤولية الأطراف السياسية عن تهيئة الأجواء للتعافي والخروج من نفق الحرب.. ينبي على الأوراق التي بيد كل مكون سياسي.. بالضرورة رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان هو “رقم واحد”، بصفته الشخصية و رئاسته لمجلس السيادة.. فهو رأس الدولة، الرجل الأول فيها، و يسنده موقعه الرفيع في قيادة المؤسسة العسكرية السودانية. ثم في المرتبة الثانية الحركة الاسلامية ، رغم انكارها المستمر لكنها الطرف الأكثر هيمنة على قرار الدولة في مختلف مستوياتها.
ويليهم الأحزاب والتحالفات السياسية والمجتمعية بالداخل، بالتحديد المصطفة خلف الحكومة. ثم القوى السياسية الممثلة في “صمود” و تحالف “تأسيس” أيضا.
كنت قبل شهور طويلة كتبت هناك تحت عنوان “مبادرة البرهان” ادعو رئيس مجلس السيادة لاعلان منطقة “أركويت” في البحر الأحمر منطقة حرة.. يسمح لكل الساسة السودانيين مهما كانوا أن يجتمعوا فيها للوصول إلى التوافق المطلوب.. بشرط أن تلتزم القوى السياسية والمجتمعية بالوصول إلى اتفاق بتكيون هيئة تمثيلية، البرلمان، لتعبر عنهم بصفة مستمرة مؤسسية ، وتصدر التشريعات لا التوصيات.
هذه الهيئة البرلمانية ستكون مخولة لترسيم “اليوم التالي” بعد الحرب، بالصورة التي لا تقصي أحدا.. وتفتح مسارا نحو فجر يوم جديد في تاريخ الأمة السودانية.
مبعث اقتراحي هذا أن السودان متخم من المؤتمرات والمصالحات وورش العمل والاتفاقيات التي تكتب ولا تنفذ.. لا يجب أن يجلس الفرقاء لمجرد الخروج ببيان مشترك.. الأجدر أن يخرجوا بقرارات تغير الواقع و تمشي على ساقين من أول يوم لميلادها.