دفاع نصرالدين عبدالباري عن الإمارات في محكمة العدل الدولية.. بين أخلاقيات المهنة واتهامات التواطؤ
الراي السوداني

متابعات – الراي السوداني
دفاع نصرالدين عبدالباري عن الإمارات في محكمة العدل الدولية: بين أخلاقيات المهنة واتهامات التواطؤ
بقلم: خالد عبد الله محمد المصطفى
مقدمة: المحامي بين مهنة الدفاع وحدود الوطنية
لا يخلو أي نظام قانوني دولي من إشكالية تعدد ولاءات المحامين؛ فمهنة القانون تُلزمهم بالدفاع عن موكليهم بغض النظر عن جنسياتهم أو خلفياتهم السياسية.
لكن حين يتحول هذا الدفاع إلى سيف يُسلَّط على رقاب الضحايا أنفسهم، ويُستخدم لإفلات جهاتٍ متهمة بدعم جرائم دولية من العقاب، تبرز أسئلةٌ أخلاقيةٌ لا تُغتفر.
هنا تكمن قضية المحامي السوداني نصرالدين عبدالباري، الذي اختار أن يكون جزءًا من الفريق القانوني الإماراتي في قضيةٍ ترفعها السودان ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، بتهمة دعم مليشيا قوات الدعم السريع المتورطة في انتهاكات وصفتها تقارير أممية بـ”جرائم حرب”.
السياق: الإمارات وقوات الدعم السريع… أدلة التورط
قبل الخوض في تفاصيل الدفاع القانوني، لا بد من فهم الخلفية التي تُحرك هذه القضية:
1. الدعم الإماراتي للمليشيات: تكشف تقارير دولية (مثل تقرير مجموعة الخبراء التابعة للأمم المتحدة 2023) عن تورط الإمارات في تمويل وتدريب وتسليح قوات الدعم السريع، التي ارتكبت مجازر في دارفور وغرب السودان، بما في ذلك هجمات على مدنيين واستهداف متعمد للمستشفيات.
2. اتهامات الإبادة الجماعية: تُوثّق منظمات حقوقية شهود عيان على عمليات تطهير عرقي ممنهج في مناطق سيطرة المليشيا، بدعم لوجستي إماراتي عبر حدود دول الجوار.
3. الهجوم على الفاشر: تشير تحذيرات الأمم المتحدة إلى تحضيرات المليشيا لاجتياح مدينة الفاشر (معقل تاريخي لقبائل الزغاوة)، مما قد يُشعل موجة جديدة من العنف العرقي.
دفاع عبد الباري: ثغرات إجرائية أم تواطؤ أخلاقي؟
اختار الفريق الإماراتي – ومن ضمنه عبد الباري – استراتيجيةً قانونيةً تعتمد على نفي ولاية المحكمة عبر التذرع بـ”التحفظات” على اتفاقية منع الإبادة الجماعية، بدلًا من مناقشة صلب الاتهامات المتعلقة بدعم الإبادة. هذا التكتيك يُثير تساؤلاتٍ خطيرة:
– كيف يُبرر محامٍ حقوقي – يُفترض أن رسالته حماية الضحايا – الدفاع عن جهةٍ تُتهم بتقديم غطاءٍ لجرائمهم؟
– لماذا يُصر الفريق الإماراتي على الهروب من النقاش الجوهري حول الأدلة (مثل تسجيلات الأقمار الصناعية لشحنات الأسلحة، أو اعترافات مقربين من المليشيا)؟
– أليس في تشكيكه بصلاحية المحكمة إضعافٌ للمؤسسات الدولية التي طالما دافع عنها كحقوقي؟
هنا يتحول الدفاع القانوني من “حق مقدس” إلى أداةٍ لتعطيل العدالة، خاصةً عندما يُستخدم لتمويل جرائم الحرب عبر بوابة “الثغرات الإجرائية”.
المحامي ليس حياديًا حين يكون الضحايا أبناء وطنه!
لا يُطلب من المحامي التخلي عن مهنيته، لكن من المُفترض أن يفرض عليه الضمير الوطني والأخلاقي حدودًا لا يتجاوزها. فكيف يقبل عبد الباري – كسوداني – أن يُدين أبناء جلدته ضحايا المليشيات المدعومة إماراتيًا، بينما تقفز صور مذابح دارفور إلى أذهاننا جميعًا؟
العالم ليس غافلًا:
– الأمم المتحدة سجلت أكثر من 12 ألف قتيل منذ اندلاع الحرب.
– 8 ملايين نازح تشردوا بسبب المعارك، معظمهم من دارفور.
– تقارير تُثبت استخدام قوات الدعم السريع للعنف الجنسي كسلاح حرب.
أمام هذه الأرقام، يبدو دفاع عبد الباري خيانةً مزدوجة: لوطنه السودان، وللمهنة التي يفترض أنها “رسالة دفاع عن المظلومين”.
الخاتمة: العدالة ليست سلعة تُشترى
القضية ليست شخصيةً ضد عبد الباري، بل هي دعوة لإعادة تعريف أخلاقيات المهنة في ظل صراعاتٍ تتحول فيها العدالة إلى ساحة للصراع الجيوسياسي. الإمارات – كدولة – لها حق الدفاع عن نفسها، لكن هذا الحق لا يمنحها تصريحًا لاستغلال المحامين لتبرئة نفسها عبر تدمير بلدٍ بأكمله.
اليوم، يُحاكم السودانُ الإماراتَ أمام القانون الدولي، لكن التاريخ سيحاكم كل من وقف في صفّ من يدفع الثمن. أما عبد الباري، فسيبقى سؤالٌ واحدٌ يلاحقه:
هل كان دفاعك عن الإمارات مجرد خدمة مهنية… أم صفقة بيعت فيها أرواح السودانيين بأموال النفط؟
بفلم خالد عبد الله محمد المصطفى