وقطعت اللجنة العليا المشتركة للطوارئ والمساعدات الإنسانية، برئاسة الفريق مهندس بحري إبراهيم جابر إبراهيم عضو مجلس السيادة الانتقالي، قطعت لسان كل المخاوف، وذوّبت جليد الشكّ والارتياب، بشأن المخاطر المتعلقة بموافقة الحكومة على فتح المسارات للمساعدات الإنسانية داخلياً وخارجياً، والسماح للأمم المتحدة وهيئاتها الإنسانية بإدخال المساعدات الإغاثية إلى السودان
من دولة تشاد، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل من العام الماضي ٢٠٢٣م.
ويبدو أن السلطات المختصة في الحكومة قد أعملت الكثير من القراءات والتحليل، وطرحت كل السيناريوهات المتوقعة على طاولة البحث والنقاش، لتأتي الموافقة بعد دراسة متأنية أعدها فريق عمل متخصص، تناول الجوانب الأمنية والعسكرية والفنية والإدارية، ووضع من التدابير ما هو كفيل، بإنفاذ برنامج نقل المساعدات، دون إلحاق ضرر أمني بالسودان، باعتبار أن المساعدات الإغاثية تدخل من دولة تشاد التي اتخذت موقفاً معادياً للحكومة السودانية، وداعماً للميليشيا الإرهابية.
قرار الحكومة السودانية الخطير والشجاع، بالسماح لمنظمات الأمم المتحدة، بإيصال المساعدات الإنسانية من دولة تشاد، انطلق من مسؤولية تأريخية للحكومة تجاه المواطنين المتأثرين بالحرب، في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية، واستمرار التحذيرات من وكالات إغاثية وهيئات أممية، من مغبة مجاعة كارثية تحاصر الشعب السوداني، خاصة بعد تعثر برنامج الغذاء العالمي، وعدد من المنظمات الدولية العاملة في الحقل الإنساني في إيجاد سبل للوصول إلى المحتاجين، وازداد الطين بِلّة، بعد أن استباحت الميليشيا الإرهابية، ولاية الجزيرة، سلة السودان الغذائية.
وتقضي ترتيبات قرار إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين في السودان، بفتح الملاحة الجوية، أمام حركة الطائرات الأممية، في كل من مطار كادوقلي، ومطار الأبيض، ومطار الفاشر الذي سيكون مستودعاً لكل المساعدات الإنسانية لولايات دارفور المختلفة، بجانب مراجعة مطار كسلا الذي وعدت الأمم المتحدة بالمساهمة في صيانته، هذا فضلاً عن فتح المعابر الحدودية في البوابة الغربية، ومعبر جنوب السودان عن طريق كوستي، ومعبر شمال السودان عن طريق أشكيت وأرقين، وشددت الحكومة على سفاراتها في الخارج أن تتخذ ما يلزم من احتياطات واحترازات تجاه الأجانب، فيما يتعلق بمنح التأشيرات وتقديم التسهيلات، وقد تم التشاور مع الأمم المتحدة لوضع صيغة مكتوبة لهذا الاتفاق بكافة جوانبه بدقة وشفافية.
على كلٍّ تبقى المخاوف مشروعة على خلفية سيناريوهات تكررت من قِبَلِ الأمم المتحدة في برنامج شريان الحياة، الذي كان شرياناً تزوُّد من خلاله متمردو الحركة الشعبية بالمعدات والمؤن الحربية، وتعكس هذه الإجراءات الحكومية حرصاً على ألا تُلدغ من ذات الجحر مرة ثانية، وفي المقابل فإن مراقبين يرون أن السماح بفتح المسارات لإيصال المساعدات الإنسانية داخلياً وخارجياً، سيكون اختباراً حقيقياً من قبل السلطات المختصة، لمراجعة الصفوف، وقراءة المواقف، ليتسنى للحكومة أن تميز الخبيث من الطيب.