موقف
د. حسن محمد صالح
معركة الفشقة (( الواقعة)) في ولاية القضارف بشرق السودان بالنسبة للشعب السوداني وقواته المسلحة كانت معركة مؤجلة لجملة من الاعتبارات الامنية والجيوسياسية و الاقتصادية. ورغم هذا التاجيل المتعمد والتاني من جانب القوات المسلحة لم ينقطع الحديث عن الفشقة من قبل المسئولين في الحكومة السودانية ومواطني المنطقة علي حد سواء وكان اشهر المنادين بضرورة تحرير اراضي الفشفقة واعادتها لحضن الوطن هو والي القضارف الاسبق السيد كرم الله عباس الذي كان يهاجم النظام السابق وحكومته وهو يطالب بضرورة طرد عصابات الشفته الاثيوبية من الاراضي السودانية التي استولوا عليها وطردوا المزارعين السودانيين اصكاب المشاريع الزراعية ومواطني المنطقة بقوة السلاح وبدعم من الجيش الاثيوبي لكي يبقي المزارعون الاثيوبيون في ارض الفشقة التي جاءوا اليها بالوسائل السلمية ومن ثم تمكنوا فيها وحتي تتم السيطرة علي الارض السودانية. في الشقة وغيرها كانت العصابات الاثيوبية تتوغل وتقطع طريق الخرطوم كسلا عند منطقة الغابة وتقوم بنهب البصات السفرية وسلب وقتل المواطنين وكانت اولي الخطوات التي قامت بها القوات المسلحة والاجهزة الامنية الاخري هي تامين الطريق من تلك العصابات الاجرامية زلاثيوبية ومن كانوا يسافرون علي الطريق القومي الخرطوم بورتسودان شاهدوا الدوريات ونقاط التامين علي الطريق واجراءات امنية اخري الي ان صار الطريق امنا ما عدا التهديدات التي كانت تطلقها المعارضة السودانية بقيادة التجمع الوطني الديمقراطي المتحالف يومها مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة العقيد د. جون قرنق دي مبيور وكانوا في تسعينيات القرن الماضي يعلنون من خلال اذاعة المعارضة ويشيعون في الناس انهم قد تمكنوا من قطع الطريق القومي بين كسلا وبورتسودان ولم يبق لهم الا محاصرة الخرطوم واسقاط نظام البشير كما كانوا يسمونه وهم اليوم في واحدة من غرائب السياسة وعجائبها يستنكرون علي اتحاد نظارة البجا والعموديات المستقلة اغلاق الطريق القومي احتجاجا علي ما يعرف بمسار الشرق في اتفاق جوبا ومطالب تنموية وخدمية لاهل شرق السودان فيا سبحان الله ويا لخطورة الكائن السياسي السوداني المنتمي للتجمع سابقا والمنضوي حاليا تحت عباءة الحرية والتغيير ا((لمجلس المركزي)) المعروفة حاليا بالنظام البائد بعد ان جرت عليها القرارات التصحيحية للفريق الركن عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة ورئيس المجلس السيادي في الخامس والعشرين من اكتوبر ٢٠٢١م و اخذت تلك القرارت من احزاب اربعة طويلة سلطة وضع اليد وتركت لها حرية العمل الحزبي والنشاط السياسي والمشاركة في الانتخابات ولكنها تريد ان تبقي في سدة الحكم كما بقي الاثيوبيون في الفشقة لعشرات السنين دون وجه حق لولا ان قام الفريق البرهان بتصحيح مسار الفشقة كما فعل مع قحت ويكون قد حقق معدل بلقيست العالمي في تصحيح المسارات منذ انحياز القوات المسلحة للشعب في ثورة ديسمبر٢٠١٩م والي يومنا هذا.
*****
وبالعودة الي معركة الفشقة التي كانت مؤجلة فان الاطماع في شرق السودان لا تقتصر علي الفشقة وحدها بل تشمل كسلا ومواني البحر الاحمر في بورتسودان وغيرها وهذا الطمع الاقليمي والدولي والعالمي معروف وهو يتدرج من النظر الي الاراضي الخصبة في دلتا القاش ونهر ستيت ودلتا طوكر الي حلايب وشلاتين وجبال البحر الاحمر الغنية بالمعادن في الشمال وليس ادل علي ذلك من تصريحات المسئولين الاسرائيلين بان هدفهم من التطبيع مع هو نقل التكنلوجيا الاسرائيلية في مجال الزراعة الي السودان.
*****
وعليه فان انفتاح القوات المسلحة في منطقة الفشقة في العام المنصرم هو مطلب شعبي وجماهيري وانساني وبداية موفقة لاسترداد الارض السودانية شبرا شبر وحواشة حواشة وهو حقنا كما قال اهالي الفشقة وهو يهتفون امام القائد العام للقوات المسلحة في زيارته الاخيرة للمنطقة حقنا.. حقنا… حقنا ويعلن الفريق البرهان امام العالم اننا لا نريد ان نتجاوز الحدود السودانية تجاه الجارة اثيوبيا التي ليس لدينا معها عداوة وهم اخواننا فقط نريد ان نبقي في ارضنا ولا طمع لنا في حق الاخرين . ولا مجال هنا للحديث عن خصوبة اراضي الفشقة وانتاجها الزراعي يكفي انها ارض سودانية خالصة ولم تكن الفشقة ارضا متنازع عليها بين السودان واثيوبيا كما تقول بعض وسائل الاعلام والقنوات الفضائية التي تميزت بالشطط والقاء القول علي عواهنه وهي تميل الي خلط الاوراق بالحديث عن علاقة ما يجري في اثيوبيا من نزاع بين الحكومة الفدرالية وجيشها. وجبهة شعب التقراي وبين ما يقوم به الجيش السوداني من دفاع عن ارض الفشقة ضد الهجوم المتكرر للعصابات الاثيوبية المدعومة من الجيش الاثيوبي وتامين الموسم الزراعي وقد قدمت القوات المسلحة اكثر من مئة شهيد وهي تتصدي للهجمات الاثيوبية بالاضافة للجرحي.
*****
في هذه الظروف التي تسيل فيها دماء القوات المسلحة هناك من يقول الفشقة بحرروها كم مرة؟ ويتحدث البعض عن هيكلة القوات المسلحة لا بل يعتبرون معركة الفشقة هي هروب من اعادة الهيكلة وكانما القوات المسلحة بجنودها وضباط الصف والضباط هم تلاميذ في مدرسة ماركس او لينيين او مشيل عفلق. و واعلن للحزب الشيوعي السوداني في بيانه في الايام القليلة الماضية : اننا لا نريد حرب بالوكالة مع الجارة اثيوبيا وهو كلام خطير يستوجب المساءلة لان الشعب السوداني لن يرضي ان تخوض قواته المسلحة حربا بالوكالة لصالح دولة اخري والاشارة هنا للجارة مصر التي لديها خلافات مع اثيوبيا حول سد النهضة وليس للسودان اتفاقية دفاع مشترك مع مصر حتي يخوض معها حرب ضد اثيوبيا وليس للسودان عداوة مع اثيوبيا وقد اعلن وزير الدفاع الاثيوبي ان بلاده ليس لها عداوة مع السودان وان الهجوم علي الجيش السوداني في الفشقة قامت به جبهة التقراي علي الرجح علي حد تعبير الوزير الاثيوبي وليس الجيش الاثيوبي وعليه فان وزير الدفاع الاثيوبي لم ينف الهجوم علي القوات المسلحة السودانية ولم ينف انه قد تم باسلحة ثقيلة وحدث توغل في اراضي الفشقة. فماذا نسمي من يشككون في معركة الكرامة التي تخوضها القوات المسلحة في الفشقة وتضع لها الف حساب في المستقبل هل نسميهم طابور خامس ام نكتفي بوصفهم بالجهل وانعدام الوطنية لان العالم بكل ظلمه وجبروته وتحامله علي القوات المسلحة السودانية لم يتحدث عن الفشقة باعتبارها غير سودانية واكثر الدول معرفة بحق السودان في الفشقة وملكيته لها هي المملكة المتحدة بريطانيا التي كانت تستعمر السودان وتعرف حق السودان في هذه الارض وملكيته لها ولمنطقة بني شنقول الشهيرة منذ الفتح التركي العثماني للسودان في العام ١٨٢١م علي يد محمد علي باشا والتي يقام عليها سد النهضة الاثيوبي حاليا وقد تنازلت عن بني شنقول حكومة السودان الاستعمارية لصالح اثيوبيا وسمحت للمزارعين الاثيوبيين بالزراعة في ارض الفشقة مؤقتا وهي ارض سودانية تقع داخل السودان وعلي مقربة من حدوده مع اثيوبيا.
***
علي الشعب السوداني في هذه المركلة الدقيقة من تاريخ السودان ان يدرك ان معركة الفشقة كما ظلت مؤجلة من الجانب السوداني للانشغال بحرب الجنوب ودارفور فهي ايضا موجلة بالنسبة للجيش الاثيوبي الذي ما ان يفرغ من صراعه مع جبهة شعب التقراي التي قد تهزمه وتغير المعادلة من يجهز علي مواطني التقراي حتي يعود لذات الممارسات العدوانية مع السودان في الفشقة لان هذا الجيش الفدرالي الاثيوبي مغضوب عليه من قبل الاقاليم الاثيوبية التي تتهمه بالتنازل عن الاراضي الاثيوبية في الحدود مع الجارة ارتريا وهو متهم لدي الاثيوبيين بترك الفشقة والتي لا محالة سوف يعمل للعودة اليها تحت ذريعة النزاع علي الحدود غير المرسمة بين السودان واثيوبيا وهذا يعني التركيز علي الفشقة من قبل الحكومة السودانية والاهتمام بها ودعم القوات المسلحة ماديا ومعنويا للمحافظة علي هذه الارض والاراضي السودانية في كل مكان وهذا ما لزم توضيحه والتأكييد عليه قبل فوات الاوان.