أكد رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال، عبدالعزيز آدم الحلو، أن وقف الحرب فى السودان يتطلب إرادة قوية من طرفى القتال، مشيرا إلى أن الحركة لديها قناعة راسخة بأن الحوار والتفاوض هى الوسائل الأنجح لإنهاء الحروب والصراعات المسلحة، معتبرا أنه لا بديل عن سودان جديد علمانى ديمقراطى.
وقال الحلو الذى خرج عن صمته فى حوار خاص لـ«الشروق» ــ هو الأول له منذ اندلاع الحرب بالسودان فى 15 أبريل الماضى ــ، إن حركته ليس لديها تنسيق مع أى طرف من طرفى الحرب بسبب اختلاف الرؤى والتوجهات.
وأضاف الحلو، فى الحوار الذى يعد الأول لصحيفة مصرية منذ سنوات طويلة، أن الأزمة السودانية المزمنة جوهرها أزمة دستورية ناتجة عن عدم التوافق على عقد اجتماعى يجيب على سؤال «كيف يحكم السودان»؟، مؤكدا أن مشروع «السودان الجديد» الذى طرحته الحركة الشعبية كوصفه لحل الأزمات فى السودان ليس حكرا عليها.
كما شدد الحلو على أن مصر لعبت أدوارا إيجابية كثيرة لصالح استقرار السودان، مشيرا إلى أن تواصل الحركة مع القاهرة مستمر.
وإلى نص الحوار:
> بداية.. ما هى رؤيتك للوضع الراهن فى السودان؟ وما هو موقفكم من الحرب؟
ــ الوضع الراهن فى السودان بدأت مؤشراته منذ فترة طويلة، وانتقال الحرب إلى العاصمة السودانية «الخرطوم» كان متوقعا بل كان نتيجة حتمية لتراكم أزمات الدولة منذ عام 1956، بسبب عجز النخبة عن مخاطبة جذور الأزمة والإصرار على التمسك بثوابت بالية.
أما بشأن موقف الحركة الشعبية من الحرب، فإن الحركة أثبتت أنها القوة السياسية الوحيدة المحبة للسلام والتى سعت وما زالت تسعى حتى الآن لإيجاد حلول سلمية لمشاكل السودان خلافا لمعظم القوى الأخرى، التى تتبنى رؤى ومشاريع تفرق بين السودانيين، ولا تصلح إلا كوصفات لإشعال الحروب التى عادة ما تقود لتقسيم الأوطان.
> كيف يُمكن وقف الحرب؟ وماذا عن نظرتك المستقبلية لسودان ما بعد الحرب؟
ــ وقف الحرب يتطلب إرادة قوية من طرفى القتال، فهما اللذان أشعلا الحرب ولا يمكن لغيرهما وقفها. وفى حال وقفها من جانب الطرفين بالطريقة المقترحة من جانب الوسطاء بدون معالجة جذور المشكلة السودانية وتحويل سودان ما بعد الحرب لسودان علمانى ديمقراطى، فإن البلاد ستمضى فى طريق التشظى والانقسام.
> هل ترى أن الصراع الآن، صراع سياسى أدى لصراع عسكرى؟ أم هو صراع بين المركز والهامش تفاقم لحد المواجهة العسكرية؟
ــ الصراعات العسكرية دائما امتداد لصراعات سياسية، وحتى صراعات المركز والهامش هى فى الأساس صراعات سياسية، لأن التهميش ليس جغرافيا فقط، بل هو فى أساسه إقصاء واستبعاد سياسى، اقتصادى، اجتماعى، ثقافى، دينى، وغيره.
أما حرب 15 أبريل فهى مواجهة بين جناحين للقوات المسلحة، لأن الدعم السريع صنعته القوات المسلحة ليقاتل إلى جانبها ضد الهامش!، ولن تنتهى الحرب بينهما إلا باتفاقهما على معالجة الخلل الذى قادهما للمواجهة، ونحن فى الحركة لدينا قناعة راسخة بأن الحروب لا تقود لحل النزاعات داخل الأوطان، إنما الحوار والتفاوض هى الوسائل الأنجح لإنهاء الحروب و الصراعات المسلحة.
> على ذكر الصراع بين المركز والهامش، الحركة الشعبية فى الأساس هى صاحبة مشروع «السودان الجديد».. والدعم السريع يقول إنه يحارب من أجل السودان الجديد والقضاء على دولة 56، ما هو الفارق بين مشروعكم وما يتحدث عنه الدعم السريع؟ وما هو تعريفكم بالأساس لدولة 56؟
ــ دولة 56 فى أدبيات الحركة الشعبية هى «السودان القديم» وتعريف السودان القديم قائم على التفرقة بين السودانيين على أساس العرق، الثقافة، الدين، اللغة، الجهة، النوع وغيرها، وبمعنى أدق أنه قائم على الأحادية الثقافية الإقصائية، وبما أن «السودان القديم» بوصفه هذا يولد الحروب والصراعات فإنه لا بديل للسودان القديم إلا السودان الجديد العلمانى الديمقراطى.
صحيح أن الحركة الشعبية هى من طرحت مشروع «السودان الجديد» كوصفه لحل أزمات السودان، ولكن هذا المشروع ليس حكرا عليها، بل عبارة عن دعوة لجميع السودانيين من أجل تحقيق إجماع حوله بغرض معالجة المشكلة السودانية، فإذا تبنى الدعم السريع مشروع السودان الجديد فإن ذلك يعد مكسبا لمستقبل السودان وفاتحة للخروج من النفق والدائرة الشريرة التى أدخلنا فيها مشروع السودان القديم الظلامى.
إن مشروع السودان الجديد كما عرفه منفستو الحركة الشعبية هو مشروع واحد من حيث المضمون والمحتوى لا فرق إذا كان قد جاء على لسان الحركة الشعبية أو على لسان الدعم السريع، رغم صعوبة التفريق بين الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية من حيث البنية الفكرية والممارسة العملية، لكن إذا حدث تحول فى عقيدة الدعم السريع فإن ذلك يعد أمرا إيجابيا يصب فى مصلحة التغيير الجذرى.
> ما هو موقفكم من قوات الدعم السريع؟ وهل ترى أن هناك من يريد أن يضمن لها مستقبلا سياسيا فى البلاد على غرار الجيش الشعبى وتكرار نموذج الدكتور جون قرنق؟ أم هذا غير صحيح؟
قوات الدعم السريع كيان عسكرى تم إنشاؤه بموجب تشريعات وقوانين الدولة السودانية وله وجود ميدانى مشهود. ونحن لا نرى أن هنالك فرقا كبيرا بين الدعم السريع والقوات المسلحة، وفى الوقت ذاته لا توجد مقارنة بين الجيش الشعبى الذى تأسس كقوة ثورية شعبية، والدعم السريع الذى تأسس كميليشيا قبلية تقاتل بجانب الحكومة حتى 15 أبريل 2023.
أما الجزء الثانى من السؤال أرى أن يتم توجيهه للقائد العام للجيش السودانى الفريق أول عبدالفتاح البرهان ليجيب عنه.
> ما هو موقفكم من تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» لاسيما فى ظل دعوتها الحركة للانخراط معها فى حوار سياسى؟
ــ رحبنا بالدعوة التى وجهت إلينا من جانب «تقدم» للحوار على أن يناقش الحوار جذور مشكلة السودان، ذلك لأن الحوار هو إحدى وسائلنا لتحقيق السودان الجديد. وليس هناك ما يمنع أن تكون الحركة الشعبية جزءا من «تقدم» فى حالة التوافق معها على رؤية مشتركة تقود لبناء سودان جديد يحقق السلام والاستقرار، علما أننا لا نرفض أى جهود تعمل على وقف الحرب وتنهى معاناة المواطنين، ولكن الحوار بين الحركة و«تقدم» لم يتم حتى الآن.
> كيف يُمكن أن يُعقد حوار وطنى لاسيما فى ظل تعقيدات الخلافات بين القوى الفاعلة فى المشهد السودانى؟
ــ هذا السؤال يجب أن يوجه إلى طرفى حرب 15 أبريل والجهات التى قدمت الاقتراح.
> فى وقتٍ سابق طرحت رؤية لمبادئ فوق دستورية، هل ترى إذا طرحتها مجددا واستجابت لها القيادات السياسية فى الوقت الراهن يمكن أن تكون مدخلا لحل الأزمة السودانية؟
ــ «الأزمة السودانية المزمنة» فى جوهرها أزمة دستورية ناتجة عن عدم التوافق على عقد اجتماعى يجيب على سؤال «كيف يحكم السودان». وإذا استجابت القوى السياسية فى الوقت الراهن للمبادئ فوق الدستورية التى طرحتها الحركة الشعبية، فإن ذلك سوف سيقود إلى اتفاق على عقد اجتماعى، يمكن أن يؤدى لكتابة دستور ينقل السودان من مربع الحرب إلى مربع السلام العادل الدائم.
> هل تلك الرؤية تسعى لنقاشها ومن ثم تطبيقها مع الحكومة أم مع القوى السياسية مستقبلا لتكون طرحا عاما قبيل عقد مؤتمر دستورى؟
ــ الحركة الشعبية تسعى لتسويق فكرة المبادئ فوق الدستورية للقوى السياسية بهدف تحقيق إجماع حولها يضمن إجازتها بواسطة الشعب السودانى عبر آلية مناسبة، لاسيما أننا فى الحركة الشعبية لا نرى جدوى عقد مؤتمر دستورى، لأنه لن يختلف كثيرا عن فكرة الحوار الوطنى الذى عقده عمر البشير فى أيامه الأخيرة، والذى أدى لإنتاج المزيد من الأزمات.
> هل ترى أن تضارب المصالح الخارجية عامل مؤثر فى الحرب؟ وكيف تقيم المبادرات الإقليمية والدولية التى طرحت من أجل وقف الحرب؟
ــ التناقضات الداخلية هى السبب الأساسى وراء الحرب فى السودان، أما تأثير العوامل الخارجية فهو ثانوى رغم أهميته.
ونحن فى الحركة الشعبية نقدر ونثمن دور القوى الإقليمية والدولية والمبادرات التى تقدمت بها من أجل وقف الحرب، ونأمل أن تجد تلك المبادرات القبول من طرفى الحرب الذى لم يتوفر حتى الآن.
> ما هى حقيقة ما حدث فى مدينة الدلنج ثانى أكبر المدن بعد مدينة كادوقلى؟ وما هى حقيقة التنسيق بين الحركة والجيش؟
مدينة الدلنج تقع تحت سيطرة الحكومة السودانية، وشهدت فى الفترة الأخيرة مواجهات بين الجيش والدعم السريع، إضافة لمواجهات بين مكوناتها الاجتماعية. أما نحن فليس لدينا تنسيق مع أى طرف من طرفى الحرب بسبب اختلاف الرؤى والتوجهات.
> ما هو رأيك فى المقاومة الشعبية والاستنفار المسلح من قبل القبائل؟
ــ هذه سياسة قديمة اتبعتها القوات المسلحة فى كل حروبها ضد مواطنيها فى الهامش وأثبتت فشلها، بل أنتجت أخيرا نموذج «الدعم السريع» الذى خرج عن سيطرتها، وصار يقاتل ضدها منذ الخامس عشر من أبريل.
وهى خطوة ستعقد الأزمة وتزيد الأمر سوءا، لاسيما إذا عرفنا أن هناك اصطفافا كبيرا وواضحا الآن بين المكونات الاجتماعية السودانية واشتباكات لا حصر لها بينها.
> ما هو مستقبل الحركة الشعبية ذاتها فى موقفها من الكفاح المسلح، فى ظل تغيرات المشهد الداخلى ما بعد الحرب وتغيرات المشهد الخارجى أيضا؟! وهل سيشهد الجيل الحالى اليوم الذى يضع فيه القائد عبدالعزيز الحلو السلاح وينضم لركاب السلام؟
ــ الأفضل توجيه هذا السؤال أولا للقائمين على أمر السودان القديم الذين يعتمدون العنف كمصدر أوحد لمشروعية دولتهم ولا يؤمنون بالحلول السلمية أو الحوار مع المهمشين كوسيلة لمعالجة المشكلات. أما الحركة الشعبية ستظل متمسكة بمشروع السودان الجديد ووسائلها لتحقيقه طالما تمسك السودان القديم بثوابته المنتجة للحروب والصراعات. إن وضع السلاح مرهون بمعالجة جذور المشكلة بصورة عادلة.
> كيف ترى الانشقاقات التى تشهدها الحركة الشعبية وهل تؤثر على تماسكها من وجهة نظرك؟
ــ طالما استمرت سياسات السودان القديم المؤسسة على التهميش والإقصاء والظلم فإن الحركة الشعبية ستظل باقية وتستمر فى النضال كما فعلت وتفعل منذ نشأتها عام 1983.
لا توجد انشقاقات داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان ــ شمال، ولكن هنالك أفرادا تخلوا عن مشروع السودان الجديد وأهداف الحركة وخرجوا منها وأسسوا تنظيمات أخرى خاصة بهم، بعد أن رفضتهم قواعد وعضوية الحركة عندما حاولوا توقيع اتفاق سلام مع الحكومة دون معالجة جذور المشكلة السودانية.
الحركة الشعبية قوية ومتماسكة أكثر من أى وقت مضى بسبب التفاف أعضائها حول رؤية السودان الجديد.
> هناك ملاحظات بأنك مُقلل كثيرا فى زياراتك الخارجية، رغم العلاقة الجيدة التى تجمع بين الحركة الشعبية مع جنوب وادى النيل، فأين شمال الوادى (مصر) من دائرة زياراتك؟
ــ مصر دولة لها وزنها وتأثيرها الإقليمى والدولى، ولعبت أدوارا إيجابية كثيرة لصالح استقرار السودان لا يستطيع أحد إنكارها، وتواصلنا فى الحركة مع الحكومة والشعب المصرى مستمر منذ أن بدأت الحرب وزيارتها مدرجة فى جدول أعمالنا، ولدينا الكثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك تحتاج للمناقشة