مقالات

الصحفي محمد حامد جمعة نوار يكتب .. أعيدوا لنا خرطومنا

ما كشفته محنة الحرب أن الخرطوم ليست فقط رمزية عاصمة للبلاد . ومقر الحكم ودلالات التعريف في مراكز البلدان . بل هي نسيج من الحالة الخاصة التي إتضح أنها تسكن كل سوداني وأنها مثل مضخة القلب للوطن الكبير . حالة الخليط من الحزن والشوق والشجن والإشفاق على ما طالها تبدو مثل الوخز الموجع حتى عند الذين لم يألفوها وكانت عندهم في طيوف سماع الحكايات .
وأما ام خبروا شمسها وطرقها . نهاراتها ومسارات العصاري فيها وليلها المشحون بالضجيج والمسامرات يبدو حالهم أشد لوعة . الكل الان قد يدفع نصف عمره وماله وربما كله مقابل ان يستظل ولو ببقايا جدران بيته . هي حالة ربما تسقط قبالها فوارق الجغرافية والجهة والعرق . يتلعثم البيان وسنان الفصاحة في شق لب الفؤاد للكشف عن حقيقتها . التي اراها في الأعين المشفقة . من اناس سمر وبيض .سود .خلاسيون . عربا ونوبة . الكل كأنما في الطرقات الخالية يرجو إطلالة جار وأنس رفيق وإبتسامة زميل او زميلة . لاول مرة أشعر اني حبيب أمدرمان ونديم الديوم وجليس بحري بسر هوى او بغير سر . عزيزة عندي الحاج يوسف وبهية أمبدات وغالية الكلاكلات الى مطلع جبل الأولياء الذين يلاحقني إصرار ان أعرف من هم .
كلما ترسل فضائية صورة ملتقى النيلين . عليها ذاك الوشم الدخاني يخغق قلبي . ويحنا كيف بصقنا على هذا النبع المبارك بالدم والصديد وغرسنا عند الجروف شجرة الحراز التي تعاف الندى! .
غاب صوت هنا أمدرمان . اظنها المرة الأولى التي قبر فيها البروفيسير عبد الله الطيب وصديق احمد حمدون اثيريا . اختنق صوت عبد الرحمن عبد الرسول تلاشت ذاكرة على المك من الارشفة ضاع صوت زيدان شاشة ومذياع . اختفى ضجيج رواد دار الرياضة اطفأ القدر سراج اضواء باشدار . اغلقت كتلة الطريق للشجرة .افقر زحام (الكوتش) انزوى بخور الجريفات . خف حضور الباعة الذين يسمعون رنة قرش في الصقعي . زاد الظلام في كافوري وخفتت نجوم أمبدة . فاظلمت دواخلنا جميعا . اعيدوا لنا (خرطومنا) فقد إكتشفت أنها بلد يسكن فينا ولا نسكنه . فلا هذه ولا تلك ولا الدنيا بأجمعها تساوي ملتقى النيلين في الخرطوم . كنت اظنها بعض مجاملة شاعر غير اني الان أقول ..لا فقد صدق

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى