6 فبراير 2023
“الحياة ليست عادلة، فلتعوِّد نفسك على ذلك”.. بيل غيتس..!
(1)
الشاهد من بعض الحكايات السياسية أنّ الشرعية الدستورية شأنٌ وأنّ العدالة بمعناها الأخلاقي شأنٌ آخر، وأنّ حسابات الثائر بشأن أيقونات حكومة ثورته شيءٌ، وأنّ النتائج المُترتِّبة على تحوُّل الوعود الثورية إلى قرارات – محكومة بطبيعة المنصب وظروف تصريف شؤون الحكم – شيءٌ آخر. وبإسقاط بعض الأمثلة السياسية على مستقبل ما بعد الثورة في بلادنا، يُمكننا أيضاً أنّ نقول بأن الرومانسية الثورية شأنٌ، وبأن الأهلية التنفيذية شأنٌ آخر، وأنّ الأهداف الثورية شيءٌ، وأنّ المآلات الدستورية شيءٌ آخر. لا يُمكن تشكيل الدائرة بقواعد المربع ولا يُمكن شرح المنحنى بمعطيات المستقيم. فالدور التاريخي للثورات هو أن “تهدم” منظومات الحكم الجائر بمعاول الشرعية الثورية، أما “البناء والتشكيل” فهو شأنٌ دستوريٌّ يتطلّب إذعاناً غير مشروطٍ لقوانين المصلحة العامة بعيداً عن العاطفة وقريباً من الموضوعية..!
(2)
دعونا نُقلِّب في صفحات التاريخ القريب لثورة الجيران. رموز ثورة يناير في مصر – الذين أيَّدوا زوال حكومة “محمد مرسي” وباركوا عودة النظام العسكري في ثوب “عبد الفتاح السيسي” – مثل محمد البرادعي مؤسس حزب الدستور، عبد الرحمن يوسف القرضاوي، مصطفى النجار أبرز ممثلي الشباب، عمرو حمزاوي وخالد داؤود عضوي جبهة الإنقاذ المصري، عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب إرشاد الإخوان سابقاً، علاء عبد الفتاح وخالد علي الداعين لتظاهرات 23 يوليو، أحمد ماهر مؤسس حركة شباب 6 أبريل، المخرج السينمائي خالد يوسف، فضلاً عن علاء الأسواني وبلال فضل ود. أحمد خالد توفيق. كل هؤلاء تغيَّرت مواقفهم من تأييد حكم الرئيس “عبد الفتاح السيسي” إلى معارضة بعض ممارساته ورفض بعض قراراته.
أين “علاء الأسواني” و”بلال فضل” ود. أحمد خالد توفيق؟. تصنيف الأول كمعارض بدأ عندما توقّف عن كتابة المقالات الراتبة بصحيفة “المصري اليوم” بعد أن نشر مقالاً بعنوان “رسالة من أحد العُملاء” تضمّن رسالة من قارئ شاب كان قد تعرّض للسجن مدة عامين بعد مشاركته في الذكرى الثالثة لثورة يناير، ثم وعد القراء بالرد عليها في المقال التالي الذي لم يأتِ أبداً. أما تصنيف الثاني كمعارض فقد انتهى باتّهامات على غرار التخابر وإثارة البلبلة وتهديد السلم الاجتماعي والتحريض على كراهية النظام، فهاجر إلى أمريكا وهو الآن يُقيم هناك، ويكتب المقالات الراتبة لصحيفة عربية.
أما د. أحمد خالد توفيق فقد أُصيب بالإحباط واختار العزلة قبل أن يفارق الحياة. لأجل ذلك أقول إن استشراف مستقبل الإعلام في هذه الفترة هو الأولى، عوضاً عن استدعاء المواقف الماضية. صحيحٌ أنّ الاستدعاء يمنع التكرار لكن الاستشراف يصنع القرار..!
(3)
لا تصدق أبداً أصحاب العقول الاستراتيجية المتسربلة بالمبادئ الإنسانية الذين يدّعون امتلاك مفاتيح الحلول لمشكلات بلادك، فهؤلاء لا يقيمون وزناً لقيمة الإنسان الأدنى في العالم الثالث. المبادئ الإنسانية عندهم هباء وخواء وغبار تذروه الرياح في موازين السياسة ومكاييل الاقتصاد، وليس صحيحاً أن العالم الأول المتحضر يأبه لعذابات المنكوبين في العالم الثالث، وإن شئت دليلاً فتأمّل في تاريخ تواطؤ الأضداد على القتل والخراب من أجل برميل بترول..!
munaabuzaid2@gmail.com