بين الحين والآخر، تثار قصة استخدام السودانيات لمنتجات التبييض، إذ يعتبر فريق من الناس أنها تتضمن تغييراً للهوية، في حين يوضح الأطباء أن مضاعفاتها الصحية خطرة، ولم يقتصر الهوس بالبياض على النساء فقط، بل دخل الرجل السوداني هو الآخر في مضمار البحث عن كريمات التفتيح، الأمر الذي دفع رجال دين إلى الهبوط إلى ساحة الجدل.
استشاري الطب النفسي والاجتماعي علي بلدو، خرج بتعليق نشرته صحف محلية، الأسبوع الماضي، قائلاً “إن ما تنفقه المرأة السودانية على التجميل والبياض يكفي لإزالة ديون السودان الخارجية”.
وأوضح بلدو في تعليقه أن “الرجل السوداني هو السبب الأساس في هذه الظاهرة، لإدمانه الجمال لدى معظم الفتيات السودانيات من واقع (العين الطائرة) لمعظم الرجال، وهو ما يشعر الفتيات بالخوف والتوجس من فقد الزوج أو الخطيب أو عدم الحصول على فرصة للتوظيف أو فرص عاطفية من واقع النظرة النمطية للشابة الجميلة”.
دخيل على المجتمع
بلدو تحدث لـ”اندبندنت عربية” مؤكداً أنه “لا فتوى أو تشريع أو نص قانوني قادر على كبح جماح المرأة السودانية من الوقوع في إدمان كريمات التبييض بعد أن أصبح شعارها (أموت بيضاء جميلة أفضل من أكون سمراء)، وهو أمر دخيل على المجتمع نتيجة عوامل مختلفة طمست مفهوم الجمال، مما أنتج لنا سمات نفسية وصحية خطرة، أبرزها الاكتئاب ومحاولات الانتحار”.
وعن الأسباب التي دفعت السيدات للبحث عن الجمال من خلال تبييض بشرتهن، قال بلدو إن “الرغبة في الشعور بالثقة والحصول على شكل معين يلبي طموحها وطموحات المجتمع دفعها إلى ذلك”.
الـ”تم تم” إيقاع أفريقي متجدد أنعش الموسيقى السودانية
أما عن أسباب مناهضة الظاهرة فقال إن “كثيرات جداً دخلوا عالم إدمان الجمال باستخدام الكريمات والحبوب، على رغم الآثار الجسدية التي لا يمكن حصرها، وأبرزها الفشل الكلوي وتفسخ الجلد والسكتة القلبية، إضافة إلى السرطان”.
وحول هوس الرجال أيضاً بتفتيح البشرة، قال بلدو إن “الأمر خرج من نطاق التجميل إلى تفتيح اللون للتشبه بالنساء، وهو انحراف نفسي وأخلاقي خطر ولو لم يشعر به الشخص، فالغالبية يعتبرونه نوعاً من التجميل على رغم أن هناك فارقاً بين الحصول على مظهر لائق ونظيف، والتشبه بالنساء”.
رأي رجال الدين
ولم يكن الأطباء وحدهم من يناهض استخدام كريمات التبييض، إذ دخل على الخط رجال دين بتصريحات جريئة، آخرها فتوى من الداعية محمد هاشم الحكيم، الذي انتقد استخدام الرجال لكريمات التبييض ولم يمنع السيدات منها.
والفتوى التي أثارت كثيراً من الجدل مفادها بأن “التجميل له ضوابط منها ألا يكون بشيء محرم أو ضار، وأن لا يكون تغييراً لخلق الله، وتغيير اللون بالكريمات والخلطات إذا كان تغييراً دائماً يصبح حراماً محرماً، وإن كان تغييراً طويل الأمد مثل الحقن التي تستمر لأشهر فهو أيضاً محرم”.
وأضاف الحكيم في فتواه أن “تفتيح اللون الظاهر المعروف الذي تلجأ إليه المرأة عبر شفط وحرق جلد وجهها لتصبح كأنها حمراء اللون، وبعد فترة يبدأ اللون في التغير، هذا كله محرم لأنه ضار، ولكن لا بأس أن يتم تجميل الوجه بوسائل آمنة وصحية”.
وحول دخول الرجال عالم التجميل قال الحكيم “إنها طامة كبرى، ولعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، وعلى الرجل أن يكون خشناً، وقد جاء في الأثر عن عمر بن الخطاب (اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم)”.
أفكار رجعية
استقبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي الفتوى بالدهشة، إذ قالت الأغلبية إن “الأمر لا يخص رجال الدين، وعليهم أن يلتفتوا إلى فساد الحكام”. بينما أيدها آخرون، معتبرين أنها “نصائح تصب في مصلحة السيدات، ويجب أخذها في الاعتبار”.
في هذا الصدد، قالت الباحثة الاجتماعية سوسن سلامة إن “المجتمع السوداني لم يعد يتحمل التوجيهات من رجال الدين، خصوصاً في ما يتعلق بالأمور الخاصة بالنساء، لأن تصريحاتهم دائماً قاسية في حقهن”.
وأضافت سلامة “مناهضة الأمور الحساسة يجب أن تتم بصورة علمية، وأن يبتعد عنها رجال الدين وعلماء النفس وغيرهم، حتى لا يشعر المستهدفون بأنهم تحت الوصاية، فغالباً ما تفشل هذه الطرق”.
لا خطورة في الأمر
في الوقت الذي يبحث العالم كله عن الجمال والتجميل، تتعرض السيدة السودانية لانتقادات واسعة عند إجراء هذه العمليات. في هذا الصدد يقول جراح التجميل مصطفى محمد إن “عمليات تفتيح اللون يجب أن تتم بواسطة أطباء متخصصين للحصول على نتيجة جيدة، والجمال لا يقتصر على لون معين، لكن رغبة السيدات وحتى الشباب في تفتيح ألوانهم يجب أن يتقبلها المجتمع”.
وأضاف محمد أن “العالم وصل إلى مراحل متقدمة في عالم الجمال والتجميل، حيث أصبح الناس يجرون عمليات تغير من مظهرهم كاملاً ولا يتعرضون للانتقاد، لذلك يجب أن يرى المتخصصون النفسيون أن هذه الإجراءات تحسن من نفسية الإنسان وليس العكس”.