مقالات

عثمان ميرغني يكتب (الجاني منك.. أصل مجروح مرتين)

دشنت قوى الحرية والتغيير نهار أمس بقاعة الصداقة بالخرطوم مرحلة جديدة تسمح بتطوير التحالف رأسياً وأفقياً… رأسياً بهيكلة أربعة مستويات لإدارة التحالف، وأفقياً بفتح الباب أمام مزيد من المكونات السياسية والمجتمعية للالتحاق بالمنظومة الجديدة.
بغض النظر عن الأحزاب أو الكيانات التي وقّعت على الميثاق الجديد لكن هذه الفكرة تبدو صائبة في المنظور الاستراتيجي والتكتيكي معاً.. فالمرحلة القادمة تتطلب منظومات سياسية أكثر قوة وانفتاحاً لاستيعاب الطيف الجماهيري، مع رؤية وأهداف وطنية واضحة المعالم حتى ولو اختلفنا في تقديرها، فليس المهم الاتفاق والتجانس في الأهداف ولكن الأهم تعزيز قيم العمل المنظم الجماعي حتى ولو لم يتوفر له إجماعٌ سياسيٌ..
ولتكملة هذه الصورة الرشيدة، أقترح أن تمضي المجموعة الأخرى في قوى الحرية والتغيير التي تحمل العلامة السياسية “اللجنة الفنية لإصلاح الحرية والتغيير) في تكوين تحالف آخر ليس ضراراً ضد هذا التحالف بل للعمل بروح “حكومة ومعارضة” كما هو الحال في الدول الديموقراطية بل في السودان نفسه في حقب سابقة.. في صباح يوم الاستقلال رفع العلم زعيما الحكومة والمعارضة معاً.. فالمعارضة لا تعني “المحاربة” أو العداء.. بل هي الجناح الآخر للدولة، المعزز لروح الرأي والرأي الآخر من أجل المصلحة المشتركة.
وجود حكومة ومعارضة مهم لسلامة الانتقال الديموقراطي الذي يواجه الآن أخطر تحدٍ باضمحلال قوى الثورة واحتكار السلطة في دائرة صغيرة تزداد كل يوم ضيقاً.
قوى الحرية والتغيير قادت الحراك الجماهيري الذي تكلل بإسقاط نظام الحكم البائد، لكنها ومن أول دقيقة بعد المارش العسكري تفرقت سراً وجهراً في دهاليز المصالح الحزبية الضيقة، و ظلت الشعارات الرنانة مجرد قنابل دخان للتسلل لمواقع السلطة في سباق مخيف للاستحواذ الحزبي بل والفردي أحياناً، وأصبحت الفترة الانتقالية كلها في مواجهة الفشل الوخيم تحت سيوف “الاخوة الأعداء” وامتدت في ظلام المعارك الأيدي تحت الطاولة تنسج التحالفات السرية مع المكونات العسكرية بأذرعها المختلفة.
الآن ؛ ورغم أن تدشين الميثاق الجديد خطوة في الاتجاه الصحيح إلا أنها محفوفة بالداء القديم ذاته، تدشين مرحلة جديدة من الصراع المحموم المكتوم داخل التحالف الجديد في مضمار الكسب الحزبي، عندها يتحول الوضع إلى “عالي الخطورة” لأن الصراع هذ المرة لن يكون حزبياً بل بين معسكرين أو ربما ثلاثة مدججين بأسلحة الدمار السياسي الشامل، وسيدفع الثمن الوطن والمواطن الذي ظل يغني (الجاني منك ..أصلي مجروح مرتين)..
بلادنا للأسف ينقصها الرشد السياسي المنتج لمستقبل مشرق، فرغم أنف 65 سنة منذ الاستقلال إلا أن الزمن والتجارب ما زادت الطين إلا بلة.. في كل مرة يطيح الشعب النبيل بدكتاتورية تهزمه الأحزاب ويفشل في امتحان الديموقراطية..
على كل حال، هي البطاقة الأخيرة.. والمحك في الممارسة لا الميثاق الجديد..

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى