بدلاً من ملء شاشات الموبايلات بتبادل صور الزهور البلاستيكية.. يجب علينا في هذه المرحلة أن نتّجه إلى إصلاح المؤسسات العاملة في الدولة (حكومية وأهلية)..وإذا كان من شأن الحكومة أن تصلح مؤسساتها فإن هناك مؤسسات تابعة للدولة ولكنها اقرب إلى الناس وتحتاج إلى عونهم حتى تعود إلى وظائفها.. والمؤسسات من هذا النوع عديدة ولا نزال نلمس قصوراً كبيراً في هيئاتنا الأهلية مثل اتحاد الكتاب وغيره.. ومن المعلوم أن الإنقاذ (أجارك الله) ولأنها كانت تحتشد بطاقة هائلة من (النوايا السيئة) وتعرف ما تريد فقد اتجهت (من قولة تيت) إلى هدم منارات الوعي ومراكز الثقافة الإبداع والهيئات التي تجمع الناس وتنطلق منها الفنون وكل ما يتصل بترقية الحس الوطني والإبداعي وما يحض على النشاط الايجابي وفعل الخير..مثل الهيئات التي تعمل على تأهيل الشباب وتنمية المواهب..ولهذا عملت معاول الإنقاذ الطرشاء على إطفاء أنوارهاوسعت إلى تدميرها ولم تطب نفسها حتى جعلتها صعيداً جُرزا..! فأغلقت المكتبات العامة والمسارح وقاعات العرض ودور السينما وشمّعت مراكز الفنون..
فلهؤلاء القوم الإنقاذيون (حساسية عالية) ضد كل ما هو جميل..! وقد كانت لهم (مهارة خاصة) في إغاظة الناس وتعطيل دولاب حياتهم ونسف أمكنة تلاقيهم حيث روح الإلفة وتبادل التجارب والمعارف والترويح من أوضار الحياة وإزكاء روح الوطنية والتكافل والمشاركة.. فما كان يمكن نشر أفكارهم الظلامية مع هذه المنارات..! وعلاوة على هذه النوايا السيئة و(الحقد المجاني) والنفوس المُظلمة (حمانا الله) والدواخل المريضة المجبولة على كراهية كل ما هو خير وحق؛ فقد كانوا صفراً كبيراً في المواهب.. مع (متلازمات فقر دم شديد) في كل ما يتصل بالإبداع…فلا تنطلق وجوههم فرحاً إلا أمام موائد الطعام أو خزائن المال.. فقل لي (بالله عليك) يا مَنْ عاصرت سنوات الإنقاذ الثلاثين.. هل رأيت أي بارقة خير في هؤلاء القوم..؟! وهل رأيتهم نهضوا مرة واحدة لإقالة ملهوف أو إغاثة مكروب..؟! أو رأيت بينهم من تهزّه نخوة شهامة أو تجليات طبيعة أو لمحة فنون..؟! وهل سمعت أحداً منهم يتحدث عن كتاب أو مسرحية.. إنما هم (رعاك الله) حتى في لقاءاتهم العامة أو عندما يكونون في ضيافة الأجانب يتهالكون على أطباق الطعام و(المكسّرات) ويدرشونها (درش الرحى)..!!
مناسبة ذلك مشاهدتنا وسماعنا بالأمس مصادفة إلى حديث جميل في إحدى القنوات – لم نحضر أوله- عن قصر الشباب والأطفال.. فتذكّرنا تلك الأيام الطيبة (قبل طاعون الإنقاذ) عندما كنا نتسابق إليه لنرى إحدى الإبداعات الطليعية في خشبة مسرحه أو حفلاً في ساحته أو معرضاً للكتاب أو التشكيل أو استعراضاً رياضياً أو مناسبة ثقافية أو عرضاً للأطفال..إلخ وكان من وظائف القصر الرئيسة تأهيل الشباب لإكسابهم حِرفاً يدخلون عبرها إلى ساحة العمل مثل النجارة والحدادة والبرادة والكهرباء علاوة على تعليم المهارات التقنية وعوالم الكمبيوتر والبرمجة..الخ
وبما أن حال الحكومة من حيث الدعم المالي وقصور الميزانيات معلوم.. فلا بد أن نتجه جميعنا..مواطنون ورجال أعمال ونقابات وهيئات أهلية إلى دعم هذا القصر.. فليس أهمية ذلك فقط ما ذكرنا من نشاط.. ولكن قصدنا أن ننتبه جميعاً إلى ضرورة تعمير مثل هذه المؤسسات والهيئات باعتبار أنها (مراكز وعي واستنارة).. فهذا هو الطريق إلى محاربة ظلام الإنقاذيين والأخونجية.. وكلما شيدنا مكتبة أو مركز فنون أو مسرح.. معناها أننا (كسرنا ضلعاً) فيما تبقى من رميم الإنقاذ..فمن يستطيع أن يتأخر عن هذا الواجب الوطني والعمل المأجور في دفن (جحور العقارب)..!!