الخرطوم : الراي السوداني
عطبرة .. هذه المدينة الباسلة .. ليست في حاجة للتذكير بنضالاتها ومواقفها المشهودة على مر التاريخ .. ولكن يبدو أن البعض يأبى أن يستصحب التاريخ وهو يتعاطى مع قضايا الحاضر .. ولو أن مدير مستشفى عطبرة .. كان هناك .. أو لو أنه إطلع فقط على تلك التجربة المريرة التى شهدتها المدينة وضواحيها مطلع عهد الإنقاذ .. لما أقدم على إتخاذ قرار لا يختلف البتة عن ذلك القرار .. الذى إتخذه محمد الحسن الأمين يومها .. بفصل آلاف العاملين بالسكة الحديد .. بل وإجبارهم على إخلاء منازلهم في ليل بهيم .. لا لشيء إلا لأنهم مارسوا حقهم الطبيعي في الإضراب .. دفاعا عن حقوقهم .. وعن مؤسستهم .. وها هو التاريخ يعيد نفسه .. ومتي ..؟ في ظل ثورة أبرز شعاراتها الحرية .. حرية التعبير .. وحرية الدفاع عن الحقوق .. وأين ..؟ في مدينة عطبرة .. التى دفعت سهما وافرا في فاتورة التغيير .. إن لم يكن الأوفر .. وكأني بذلك المدير أراد أن يعلن على رؤوس الأشهاد .. أن التغيير ما يزال حلما .. لم يتحقق بعد ..!
فبتاريخ 14 يونيو الجاري .. أصدر المدير العام لمستشفي عطبرة التعليمى .. ولا أدري أين التعليم في هذا القرار .. والذى كان نصه .. ( إيقاف جميع أطباء الإلحاق بالمستشفى عن العمل من تاريخه .. ولم يكتفي بذلك .. بل وعلى طريقة محمد الحسن الأمين .. أضاف القرار .. ( وعليهم إخلاء الميز فورا ) .. ولعل من يضطلع على القرار بنصه هذا .. يتبادر الى ذهنه فورا .. أن الأطباء المعنيين هنا .. ليسوا ملائكة الرحمة ورسلها الذين يعرفهم الناس .. بل هم ثلة من المخربين .. عاثوا بالمستشفى تخريبا .. وبالميز فسادا .. ولكن المفاجأة أن الأمر ليس كذلك .. بل كل الجريمة التى إرتكبها هؤلاء الأطباء .. أنهم نادوا بمطالب .. وسعوا لتحقيقها .. ظنا منهم .. وليس كل الظن إثما .. أنها حقوق للجماهير .. ذات الجماهير التى ناضلت لصنع التغيير .. وتناضل للمحافظة عليه الآن .. والمفارقة أن مطالب الأطباء .. التى يدفعون ثمنها الآن .. بوظائفهم .. وليتها كانت وظائف حقيقية .. بل هي شكل من اشكال الإحتيال .. إبتدعتها الإنقاذ .. والمؤسف أن من جاءوا بإسم الثورة ما زالوا يتمسكون بها .. وهي بدعة الإلحاق عوضا عن التوظيف .. والشاهد أنه حتى هذه يخسرها هؤلاء الأطباء الآن لأنهم تمسكوا بمطالب تخدم المواطن .. لا مصالحهم الشخصية ..!
فقد طالب أطباء مستشفي عطبرة بتحسين بيئة العمل في الحوادث بتحسين بيئة العنابر من أسرة و مفارش و أجهزة تكييف .. توفير معقمات و كمامات.. إلزام الممرضين بالتواجد الدائم داخل العنابر و تنفيذ التعليمات التى تصدر اليهم .. تواجد الباشممرض بمكتبه وتواجد موظفي التأمين و الإحصاء و الحسابات بمكاتبهم.. فيالها من مهزلة أن يبلغ الأمر حد أن يضطر الأطباء للمطالبة بتواجد موظفين عموميين فى مكاتبهم .. فهذه وحدها كافية لإقالة مدير المستشفى من منصبه .. لا أن يبقى فيه .. لفصل الأطباء .. ثم تمضى المطالب التى إعتبرت جريمة يعاقب عليها الطبيب بالفصل .. لتحدثنا عن .. توفير مكتب و كراسي جيدة .. توفير كولر للشرب و مغسلة .. تحسين بيئة الإستراحات وميز الاطباء و الطبيبات من إعاشة و كافة المستلزمات البسيطة الأخرى مع ترحيل الأطباء ..!
ويكشف بيان لرابطة الأطباء الإشتراكيين هناك .. أنه سبق وأن تم رفع هذه المطالب أمام والي نهر النيل التي وعدت برفع قيمة النبطشيه من 400 جنيه الي 4000 جنيه لأطباء الإمتياز( 24ساعة) ومن 700جنيه الي 6000جنيه للأطباء العموميين (24ساعة) ولم يتم تحقيق أي شيء منها ..!
المفارقة الكبرى أن بيان الرابطة هذا يذكرنا أن هذه المطالب كانت هي ذات المنصة التى إنطلقت منها الدكتورة آمنة احمد الفكي لتتولى المنصب الأول في الولاية .. فهل نسيت منصتها .. ؟ مجرد سؤال ..!