المتتبع لتعاطي المنظمة الدولية عبر جمعيتها العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ووكالاتها المتخصّصة مع حرب السودان يلحظ أنها تتعاطى بغير قليل من (عدم الجدية) الكافية التي قد تفضي لتدخل حميد يعالج الحرب أو يخفّف (فعلاً) لا قولاً من آثارها الإنسانية..
صحيح أنه لابد من استصحاب حقيقة ماثلة هي أنّ القوى الكبري المهيمنة على قرارات المنظمة وتوجيه دفتها منقسمة وقد ذهبت دعاوى الإصلاح للمنظمة (أدراج الرياح) وقبعت الكثير منها في الأضابير ومكتبات الجامعات وفي أرفف البحوث العلمية لدارسي العلوم السياسية ولم ولن ترى النور.. فلا أمن يتحقق عبر المنظمة ولا خوف يزال من بؤر التوتر والصراعات في العالم سيما منطقتنا العربية وعالمنا الإسلامي
تأكيداً لما ذهبت إليه أشير إلى أن مجلس الأمن لم يفلح في تقديم إدانة واضحة وقوية لمليشيا الدعم السريع ولم يعمل على تصنيفها منظمة إرهابية شأنها شأن بوكو حرام أو حركة الحوثي في اليمن..
على الرغم من الشواهد الدامغة عبر تقارير خبراء الأمم المتحدة ووكالات المنظمة كبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة العفو الدولية ومجلس حقوق الإنسان بجنيف.. وهذا أغرى بالطبع هذه المليشيا بالاستمرار في الانتهاكات التي ترتكب على مدار الساعة من قبل عناصر المليشيا دون أن يطرف لهم جفن..
لم يحسن ذات المجلس التفاعل مع شكوى السودان ضد دويلة الشر والإثم الإمارات العربية المتحدة الممول الأكبر لحريق السودان والراعي الماسي لمليشيا آل دقلو الذين ينقصهم فقط رسم شعار طيران الإمارات على زيهم العسكري تأكيداً لهذه الرعاية (اللئيمة) غير الكريمة..
بل تأثر المجلس بضغط من دول كبريطانيا (لم تستح) لتصرف النظر عن مناقشة شكوى السودان في جلسة سرية لتتحول لجلسة لمناقشة الأوضاع في السودان (بشكل عام) وقد أدانت الخارجية السودانية ذلك.. لم يقم المجلس بالتحقق من الشكوى المشار إليها والبت فيها لتجريم الإمارات وتضييق الخناق الدبلوماسي عليها لتكف عن صب المزيد من (الزيت) على النار في حريق السودان..
الجلسة التي عقدها المجلس أمس مستمعماً لتقرير من الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش لم يأت بجديد فقد عكس فقط صور الحرب وفظائع المليشيا وجرائمها وجرائرها التي ترتكبها واصفاً ذلك (بالكابوس)..
لكن نقول له إن أكبر (كابوس) يواجهه السودانيون هو كابوس وجود المليشيا في المشهد السوداني وليس بأقل من فظاعة كابوس وجود مليشيا الدعم السريع الكابوس الإماراتي المتمثل في بن زايد عرّاب حرب السودان وداعمها الأول..
مضى غوتيريش للتوصيف فقط لما حدث ويحدث وما سيحدث دون ان يشير (لعجز) المنظمة عن تحقيق شعاراتها المتمثلة في (حفظ السلم والأمن الدوليين).. لم يقدم حلولاً في ثنايا تقريره لكل ما ذكر من معاناة إنسانية لشعب السودان بل قدم (مناحة) لا تليق ومنبر كهذا تقع على عاتقه مسؤوليات سياسية وأخلاقية وقانونية تجاه الشعب السوداني وجمهورية السودان كعضو يتعرض لتآمر إقليمي كبير..
لعل الإيجابية الوحيدة في (مناحة) غوتيريش أمس إعلانه باستحالة الاتجاه نحو نشر قوة دولية تحت الفصل السابع لحماية المدنيين لأن (الظروف غير مواتية لذلك).. ومفهوم العبارة للذين يعلمون أن أي قرار سيقدم للمجلس لاعتماد نشر قوة في السودان سيسقط بالفيتو الروسي أو الصيني لا محالة..
من ناحية أخرى أنه وبافتراض التوافق (المستحيل) على نشر القوات وصدور قرار من المجلس فإن معظم الدول التي تعتبر مخزون بشرى لأصحاب القبعات الزرقاء ستحجم عن المشاركة وبالتالي سيفشل تنفيذ القرار فليس من دولة ترضى أن تلقي بجنودها إلى (محرقة) بلا ضمانات سلامة (مقبولة) تعيدهم لأهليهم (سالمين) وقد امتلأت جيوبهم بالدولارات ودونكم اليوناميد كتجربة
ختاماً تصريح غوتيريش الخاص بعدم إمكانية نشر قوة لحماية المدنيين أصاب معسكر المليشيا (متمردين وسياسيين) بالاحباط الشديد وقد كانوا يعوّلون على ورقة القوة الدولية للحفاظ على ما تبقى من مليشيا الدعم السريع وتحجيم تحركات القوات المسلحة.. أرادوا أن يحققوا انتصاراً دبلوماسياً بعد الضربات الموجعة التي تلقتها المليشيا ليتحول هذا النشر لاحقاً لاتفاق سلام من الباب الخلفي وشرعنة وجود المليشيا بما يحافظ عليها كعنصر فاعل في المشهد السوداني ولكن خاب ظنهم وأبطل كيدهم.. في المجمل بيان غوتيريش كان (تحصيل حاصل) وتحليل (لراتبه) ولم يقدّم حلولاً ولم يشر لدويلة الشر كفاعل رئيس في الحرب وقناعتي كاملة أنه طالما أنه لم يطربنا ونحن نراه ونسمعه من بعيد لم يطرب أعضاء مجلس الأمن الدولي والرجل زامر حيّهم.
اللواء الركن (م) أسامة محمد احمد عبد السلام – خبير عسكري وأمني