* لاحت بشائر النصر واستبانت سطوة الجيش الباسل، بعد أن نجح في الصمود وامتصاص الصدمة، ومواجهة قوى الغدر والخيانة، وتحول من الدفاع إلى الهجوم، وبدأ الجنجويد في التقهقر شيئاً فشيئا.. لكن النصر لم يتحقق بعد، وإن بدا في متناول اليد.
* ما زالت المعركة على أشدها، لذلك لا نجد سبباً موضوعياً يستدعي التشكيك أو الطعن في أي مقاتل اختار أن يقف في الجانب الصحيح للتاريخ، منافحاً عن أرضه ونفسه وأهله وماله وعرضه، ومُشرعاً بندقيته في وجوه تتار العصر الحديث.. ناذراً الروح والدم لحماية الوطن وإسناد الجيش الباسل، ولا تعنينا كذلك الهوية السياسية أو الخلفية الجهوية والإثنية لأي مستنفرٍ سوداني الهوى والهوية.. دعاه داعي الفداء فلم يخن.
* في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ السودان يتساوى عندنا في القيمة كل من هبوا لنصرة الوطن، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والفكرية وخلفياتهم الجهوية الثقافية والإثنية، مثلما يتساوى عندنا كل من سقطوا في امتحان الوطنية، واختاروا أن يخونوا بلادهم وشعبهم وجيشهم، باصطفافهم خلف مجرمين قتلة، أذاقوا أهل السودان مُر العلقم، وعرضوهم لأكثر محنة في تاريخ السودان.
* شخصياً لست من المنتمين للحركة الإسلامية ولم تكن لي في أي يوم علاقة مع حزب المؤتمر الوطني، ولم يسبق لي التعامل مع شباب كتيبة البراء بن مالك، ولم يحدث أن التقيت قائدهم (المصباح)، ولا تتوافر لدي عنه أي معلومات، بل إنني لا أعرف لأي مدينة ينتمي، وأرى في مسارعته هو رفاقه إلى حمل السلاح للدفاع عن الوطن والقتال مع القوات المسلحة مبادرةً قيِّمة، تستحق الاحترام وتستوجب الإطراء والتقريظ.
* نذكر ابتداءً أن المقاومة الشعبية المسلحة نفسها انطلقت استجابةً لنداء أصدره القائد العام، وناشد فيه كل القادرين على حمل السلاح إلى الدفاع عن بلادهم وإسناد جيشهم، فاستجاب له مئات الآلاف في كل أرجاء الوطن، ساعين إلى درء الخطر الماحق عن بلادهم وأنفسهم وأهلهم، بحقٍ مشروع كلفته لهم كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، مصداقاً لقوله تعالى (أُذن للذين يقاتَلون بأنهم ظُلموا وإن الله على نصرهم لقدير)؛ فهل هناك شك في أن الملايين من أهلنا تعرضوا إلى ظلمٍ فاحش، على أيدي مرتزقة آثمين مجرمين، أوسعوهم تقتيلاً وسلباً ونهباً وخطفاً واغتصاباً وإذلالا؟
* البراؤون وغاضبون والحركات المسلحة وكل المستنفرين عندنا سواء، قيمتهم في نفوسنا عالية، ومقامهم رفيع، وفعلهم محمود، وتضحياتهم مقدرّة، وشجاعتهم تدير الرؤوس، لأنهم سودانيون مترعون بالوطنية، يدافعون عن وطنهم وشعبهم ويقدمون أنفسهم رخيصةً للذود عن البلاد والعباد.
* لا نرى في إقدام شباب كتيبة البراء على تصوير مقاطع فيديو (تظهر فراستهم وشجاعتهم واستماتتهم في القتال ووعيدهم للمرتزقة الأنجاس) عيباً، بل نستحسنها ونحض عليها من باب (رحم الله امرئٍ أراهم من نفسه قوةً)، فكل جنود الجيش وفرسان هيئة العمليات والشرطة والمستنفرين ومقاتلي حركات الكفاح المسلح (مناوي وجبريل وتمبور وغيرهم) يشرعون هواتفهم ويوثقون انتصاراتهم في ميدان المعارك، ويجد فعلهم استحسان المصطفين خلف بلادهم وجيشهم، فلماذا يعيبون على هؤلاء الأسود أن يفعلوا المثل؟
* أظهر هؤلاء الشباب جسارةً لافتة، وشجاعةً تدير الرؤوس، وكبدوا المرتزقة هزائم مرة وخسائر فادحة، وأسندوا جيشهم بكل قوة ورجولة، وكانوا نعم السند له، وبالتالي كان من الطبيعي أن يتعرضوا إلى استهداف شديد من الجنجويد وحلفائهم، وأن يتم قصف إفطارهم في عطبرة بالمسيرات.
* هم في هذه الساعة جنود للوطن، يتساوون في المقام مع النظاميين وكل المستنفرين.. لا فرق بيهم مطلقاً.
* وكما أسلفنا فإن ظهور أي اعوجاج في أدائهم ينبغي أن تتم معالجته بهدوء وروية، بعيداً عن الطعن والتشكيك في المقاصد، كي يبقى المقاتلون جميعهم صفاً واحداً وبنياناً مرصوصاً يشد بعضه بعضاً.
* يُحمد لسعادة الفريق أول ركن ياسر العطا أنه انتبه للمحاولات الخبيثة التي تستهدف الفرقة، وتسعى إلى الوقيعة بين الجيش والمستنفرين، وأعلن ترحيبه بكل من يريدون المشاركة في حملة الدفاع عن الوطن وإسناد الجيش، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والجهوية.
* هناك صفان اثنان لا ثالث لهما في هذه المعركة التاريخية الحاسمة.. صف الوطن والجيش، وصف العمالة والخيانة المعلنة.
* لا توجد منطقة وسطى بين هذا وذاك، وبالتالي فإن وحدة الصف الوطني تعتبر هدفاً لا حياد عنه، ومطلباً لا جدال عليه، ومع ذلك لا نرى ما يحول دون اتخاذ المزيد من الإجراءات التنظيمية لترتيب صفوف المقاومة الشعبية المسلحة، كي ترتفع فعاليتها وتواصل العمل تحت أمرة القوات المسلحة، ويتوافر لها المزيد من التنسيق والضبط والدعم والسند، وتتمتع بفعالية أكبر في ميدان المعارك، وصولاً إلى النصر المبين.
* على قادة الجيش أن لا ينشغلوا بالأصوات الخائرة، وأن لا يأبهوا لدعاوى التشكيك ومحاولات تثبيط الهمم، لأنها تمثل كلمات باطلٍ يراد بها عين الباطل، ولا تتردد إلا من أفواهٍ متسخة، وصدورٍ خائنة، تستهدف الوقيعة بين الجيش والمستنفرين، ولا تستهدف إصلاحاً، ولا أدلّ على ذلك من تبنيها لكل راويةٍ باطلة ترددها أبواق المليشيا المجرمة.
* على الرماة أن يلزموا الجبل، فالمعركة ما زالت على أشدها والعدو متربص وخبيث وشرير ومسنود بقوى شيطانية ما زالت مجتهدةً بكل ما أوتيت من قوة لابتلاع السودان وكسر جيشه ونهب خيراته ومقدراته، وهزيمتها تتطلب أن يؤدي كل سوداني مخلّص دوره كاملاً في إسناد الجيش، إما قتالاً معه، أو إسناداً له بالُحجة الناصعة وكلمة الحق واللسان المبين.. وذلك أضعف الإيمان.