الوجبات السريعة… قد ندري دلالات المصطلح ولكنا لو تمعّنا جيداً ربما لا نجدها سريعة بالفعل ولكنها تدخل في عمليات تصنيع وتجهيز معقّدة وطويلة تجعلها جاهزة لتكون سريعة التحضير في المرحلة الأخيرة وهي مرحلة التناول و(السفسفة)…
أما الوجبات السريعة حقاً.. والتي يمكن تحضيرها من موادها الأولية بسرعة فائقة جداً هي الوجبات السودانية الصرفة فليس هناك وجبة أسرع تحضيراً من (البنيكربو)… ولا أدري من أين أتى هذا الاسم… ولكن أغلب ظني أنه من (الانكراب)… وهو في لغتنا المحلية الاجتهاد في العمل والسرعة في الإنجاز..
وإن صح ذلك المعنى ففيه أكبر دلالات الكسل التي ارتبطت بنا عند الآخرين من (العرب) وانبرى لها البعض منا مدافعاً بعاطفة كبيرة دون النظر والتمعّن الدقيق لواقع الحال…
ثقافة الشعوب في مأكلها وملبسها ومسكنها تعطي دلالات كبيرة عن شخصية المواطن ومميزاتها… وإذا أخذنا وجباتنا الشعبية لوجدناها الأكثر سهولة في التحضير…
قد لا يعرف البعض البنيكربو ولكن قطعاً كل (سوداني) يعرف العصيدة فالبنيكربو هو الوجبة الأسرع تحضيراً من العصيدة نفسها ومن نفس المكونات وحتى لو ذهبنا أبعد من ذلك لوجدنا أن زراعة الذرة (العيش) المكون الأساسي للعصيدة هو الأكثر سهولة على الإطلاق … وأكبر منطقة تتنتج الذرة في السودان وهي منطقة (القضارف) وتعتمد على الأمطار… باختصار العملية لا تتعدى الحراثة البسيطة ونثر البذور ثم انتظار المطر وبشريات الخريف مثلما يحدث في القضارف الشهيرة بإنتاج الذرة في السودان….
ولو رجعنا قليلاً للوراء لوجدنا أن رغيف الخبز لم يدخل حياتنا إلا قريباً… لا أدري إن كان السبب هو حوجته إلى عمليات تحويلية أكثر تعقيداً واستهلاكاً للجهد والوقت من الكسرة والعصيدة والقراصة… وما يحتاجه من (لت وعجن) ظل يستخدمه أهل السياسة للخروج بنا من الوجبات السريعة (حقتنا) إلى الوجبات السريعة (حقت غيرنا)…..
عموماً المتأمل لوجباتنا السريعة جداً يجد أن المرأة هي العمود الفقري لها من مرحلة الزراعة حتى وصولها إلى صحن الفطور……. و(اللت والعجن) السياسي يقودنا إلى أزمة الخبز… والأسافير تدافع بشراسة عن وصفنا بالكسل.. والأجانب في كل بيت وحارة يعملون وشبابنا لا يساهم بشئ في الدخل القومي بينما ستات الشاي الوطنيات يفعلن ذلك والأجنبيات يحوّلنه إلى عملات أجنبية ونحتاج أن نحاضر خريجي الجامعات كي يعرفوا ما هو الدخل القومي لو استطعنا أن نزيل لوث (الخرشة والبنقو والآيس) وكل قادم جديد من عقولهم….
والخرطوم لا تنام وشبابها (يحت) النيل رقصاً وطرباً وجبجبة والنيل يتصبب عرقاً… ولا يوجد مكان شاغر لفاسد في ساحة الفساد هل يتبع رفع الطوارئ المزعوم رفع للطواري وأدوات العمل والإنتاج…
ومثقفو الأساطير و(الكيبورداب) يدافعون بلا وعي أو دراسة عن قضية (الكسل)، والعصيدة على سرعتها تفقد موقعها اليومي على المائدة السودانية ويحل محلها سندوتشات (الوجبات السريعة) من (البيرقر والهوت دوق) ومحلات الأكل والوجبات السريعة يسيطر عليها الأجانب ويزينوها لنا نحن أصحاب أسرع وجبة في العالم (البنيكربو)…
سلام