الراى السودانى
للمرة الثالثة خلال عامين، تتجدد الصراعات في محلية كرينك 80 كيلومتراً شرقي مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.
ووفقاً لمتابعات إعلامية، اندلع الصراع الأسبوع الماضي نتيجةً لشن رعاة مسلحين هجوماً على المحلية بسبب سقوط قتيلين من بينهم، حيث قامت مليشيات مسلحة ليلة – الجمعة – بقتل اثنين من أبناء الرُّحّل أثناء نومهما، وبعد تنفيذ الجريمة هرب الجناة الى داخل مدينة كرينك، وتتبع أهالي القتلى أثر الجناة الى داخل مدينة كرينك وتجمع أهالي الضحايا قرب المحلية، وأمهلوا الحكومة ساعتين للقبض على الجناة، وهدّدوا بالهجوم على المدينة في حال فشلت السلطات في القبض على الجناة، وتدخل المدير التنفيذي للمحلية بهدف تهدئة الأوضاع وتعهّد بتسليم الجناة الى العدالة خلال ساعتين، وتتبعت لجنة أمن المحلية أثر الجناة لكنهم فشلوا في القبض عليهم.
أسباب الهجوم
بعد انقضاء مُهلة الساعتين، هجم الرعاة المسلحون على مواطني محلية كرينك، وقاموا بقتل وحرق المنازل، ووفقاً لـ”دارفور 24″، فإنّ الحصيلة الأولية للقتال القبلي الذي اندلع الجمعة بلغت 15 قتيلاً وعشرات الجرحى وحرق بعض المنازل. وقالت المصادر إن القتال بين المسلحين الرعاة ومواطني منطقة كرينك استمر حتى ساعات مساء الجمعة الماضية. وزاد بأن الحصيلة الأولية للضحايا بلغت 15 قتيلاً من الطرفين.
هدوء نسبي ولكن!
في الأثناء، قال امين حكومة ولاية غرب دارفور محمد زكريا في تصريحات صحفية، إن حكومة الولاية أرسلت تعزيزات عسكرية لموقع الحدث، لافتاً الى أن الأوضاع في محلية كرينك عادت إلى الهدوء. وتشير المتابعات الى ان هنالك حركة تحشيد وتجمعات كبيرة لمسلحين من مناطق مجاورة ووفود من ولايات أخرى، وسط أنباء عن تورُّط بعض الحركات المسلحة والموقعة على السلام في القتال.
مَن أشعل الصراع؟
وفي ظل غياب العدالة، وعدم قُدرة السُّلطات في القبض على الجُناة، نشطت الاتهامات المُتبادلة بين كيانات وبعض الحركات بشأن مَن أشعل الصراع، حيث حمّل قيادي بالجبهة الثورية، حاكم دارفور بالتسبب في تجدد الصراع، لجهة غياب الأمن وضعف فرض هيبة الدولة، بينما اتهم تجمع شباب الرُّحّل بولاية غرب دارفور، حركة التحالف السوداني بأنها وراء الأحداث القبلية التي تشهدها مدينة كرينك، وقال التجمع في بيان له إنه ظلّ يعمل في أنشطة مُختلفة بهدف نشر ثقافة السلام ونبذ خطاب الكراهية والعُنف والتحريض، ولكن يتفاجأ في كل يوم بقيام طرف بزرع الفتنة والقبلية وسط المُواطنين، وطالب الرُّحّل في بيانهم، لجنة أمن الولاية بتسليم الجناة للعدالة، والإسراع في حقن دماء المواطنين الأبرياء، وأضاف البيان: ظللنا ننادي بفرض سيادة القانون وردع المُجرمين لإعادة الأمور إلى نصابها، الأمر الذي يسهم في العيش الآمن والكريم لمُواطني الولاية حتى يمارسوا أنشطتهم الحياتية بصورة مُعتادة، وقال تجمُّع معسكرات النازحين واللاجئين بدار مساليت إنّ الأمور لا يمكن أن تستمر بهذا الشكل الفوضوي ويسقط فيها مئات الأبرياء بين شهيدٍ وجريحٍ، وطالبوا بفرض سيادة القانون والتعايش السلمي بين مكونات الولاية القبلية.
شجبٌ وإدانةٌ
من جانبها، حمّلت تنسيقية لجان المقاومة كرينك، كامل المسؤولية للجنة أمن الولاية والمحلية لفشلها في حماية المواطنين، وأدانت اللجان في بيان تحصّلت “الصيحة” على نسخةٍ منه بأشدّ العبارات، الهجمات المُتكرِّرة ضد المدنيين العُزّل، وأكدوا أنه ما زالت هُناك تجمُّعات وتحرُّكات للمليشيات مِمّا يُشير الى نوايا سيئة تجاه مجتمع كرينك، واعتبروا ان هذه الانتهاكات والأحداث المتكررة تؤكد عدم جدية الحكومة وفشلها القيام بواجبها تجاه المواطنين، وطالبوا المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات بالتدخُّل العاجل والسريع لإنقاذ حياة المدنيين العُزّل من هجمات المليشيات.
حمى التغيير
يقول المحلل السياسي والمراقب للعملية السلمية في دارفور عبد الله آدم خاطر لـ(الصيحة)، إن التغييرات التي أوجدتها اتفاقية السلام انعكست إيجاباً على ارخاء القبضة المركزية، عبر نظام الحكم الإقليمي لدارفور، موضحاً بأن رواسب الحكم المركزي والرواسب صنيعة النظام البائد مازالت تؤثر على المشهد في دارفور رغم انتفاء الأسباب السياسية للصراعات، وأرجع ما يحدث في إقليم دارفور إلى أنه مجرد رواسب (وحمى) لبقايا النظام المباد يبثها لزرع الفتن وسط مواطني الإقليم، ويرى خاطر أن ما يحدث يحتاج لمسألة وقت فقط حتى تستطيع حكومة الإقليم أن تبسط هيبتها وتطبِّق نظامها الفدرالي الجديد، وزاد: بالتأكيد هنالك تكلفة للتغيير ولا بد ان تدفع، وأردف ونوصي بسعى الحكومة للإسراع في فرض هيبتها على هذه الأقاليم، والمضي في الفدرالية الديمقراطية.
اتفاقية جوبا إلى أين؟
وناشدت هيئة محامي دارفور، كافة الأطراف لتغليب الحكمة والعمل على حقن الدماء والاحتكام إلى القانون لتجنُّب ما قد يحدث من فوضى مع انتشار السلاح في أيادي القبائل والمليشيات المسلحة، كما ناشدت الهيئة، مُنظمات حقوق الإنسان بالمُسارعة في تقديم العون الإنساني العاجل للمُتأثِّرين بانتهاكات حقوق الإنسان والأسر النازحة من منطقة كرينك جرّاء الأحداث.