ظاهرة الجهلاء النشطين ليست جديدة، فقد عهدناها منذ العهد البائد، ولكنها حاليا وخاصة بعد اعتصام الموز وانقلاب أكتوبر صارت أكثر بروزا، بعد أن تصدر هؤلاء الجهلاء النشطون واجهة الأحداث ومنصات الأخبار، منهم من أصبح سياسيا ورجل دولة ومجتمع بوضع اليد وبوضعيته في الانقلاب، واصبح كثير الحديث فيما لا يفقه وكثيف الظهور الاعلامي، فصدق عليه وصف الرويبضة وهو الرجل التافه يتكلم في شأن العامة، وظهور بعض هؤلاء الرويبضات وتسيدهم المشهد، يذكر بالحكاية المروية من بعض ملازمي د.الترابي رحمه الله، يقول الراوي بعد مفاصلة الاسلاميين وايداع الترابي الحبس، وبعد أن قضى في الحبس مدة تم الافراج عنه، وبعد خروجه من المعتقل سأله أحد الصحافيين عن أكثر ما أدهشه بعد نيله حريته، قال الراوي أن الترابي رد سريعا (نافع بقى سياسي)، وما أكثر من أصبحوا اليوم سياسيين وحكام ورجال دولة ومال وأعمال..الجهل مصيبة على قول أهل السودان، وتتعاظم مصيبة الجاهل عندما يصبح نشطا، وقد أثبت علم الاجتماع الحديث بان الجهلاء والتافهين يتسمون بالنشاط والجرأة، ومن بين عيوب الانقلاب العديدة أنه يجبرك على الإستماع إلى رأي وأقوال الحمقى والجهلاء.. يصنف دارسو علم الاجتماع الجهل إلى نوعين، الجهل الأصغر والجهل الأكبر، أما الجهل الأصغر فهو جهل الأُميين، وأما الجهل الأكبر فهو جهل المتعلمين. أما الخليل بن أحمد الفراهيدي عالم النحو الشهير فله تصنيفات تقسم الرجال الى أربعة، رجل يدري ويدري أنه يدري، فذلك العالم فاسألوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك الناسي فذكروه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري، فذلك الجاهل فعلموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فذلك الأحمق فاجتنبوه، وهذا أخطر أنواع الجهلاء، فهو يسترسل بكل ما يمليه عليه لسانه دون إدراك وفهم منطقي حقيقي لما يقول، يتهجم ويهاجم من يخالفه ويختلف معه في رأي فقط لأن رؤيته للأمور تضيق شيئا فشيئا، أما الأُمي وغير المتعلم فلا حرج عليهِ في جهله فهو جاهل باعترافٍه، وهذا دورنا تجاهه هو توفير التعليم له، أما انصاف المتعلمين والمدعين وخاصة اذا ما تسنموا سلطة، فاولئك اكبر خطر بسبب ادعائهم رغم ضعف مستوياتهم، ودائما ما يتصرفون بقدر لافت من اللامبالاة والاستهتار وبفهلوة لا يجب أن تصدر عن متعلمين، وقد نصح سيدنا علي كرم الله وجهه بعدم مجادلة الجاهل كي لا يغلبك في جهله، ذلك لأنك إن خالطت الجاهل طويلا فسيجرك إلى القاع لا محالة، ثم سيدفنك بجوفه حتى يهلك عقلك، لأنه كلما جادل المرء الجهلاء والسفهاء أكثر، انتقص من قدره وأصاب عقله الوهن والتشوش، ليخرج من السجال بعد أن ضيع ساعات طويلة من وقته بصداع ومشاعر سلبية وخسارة ما بعدها خسارة. إن مجادلة الجهلاء والسفهاء تمنحهم غرورا زائفا يصور لهم أنهم رأس الحكمة وأن غيرهم لا يفقهون شيئا، وكم من الحضارات انهارت، وكم من الأنظمة سقطت، وكم من الثروات تبخرت، وكم من البشر قتلوا أو شردوا، وكم من الأوطان ضاعت، وكم من الشركات أفلست بسبب مكابرة وعناد وغباء أصحاب قرار قرروا إدمان الجهل والجهالة والتجهيل..ان أعلى درجات الجهل هى ألا يدرك الإنسان أنه جاهل، فأن تجهل أنك جاهل فتلك أم المصائب..