:: وصلاً لما سبق، فالحديث عن تحرير سعر الصرف و جدواه و آثاره على الفئات الضعيفة و آليات تخفيف الآثار..وبالمناسبة، زاويتي اليوم و الأمس معاد نشرها، إذ كتبتها – قبل عام ونيف – عندما حررت حكومة حمدوك سعر الصرف ثم شرعت في تنفيذ سياسة (ترشيد الدعم ) المسمى برفع الدعم ..وهذا التوضيح لمن يلف و يدور – زي جمل العصارة – حول نفسه و حزبه، أي لمن دعم سياسة التحرير بالأمس عندما كان مع حمدوك في السلطة، ويعارضها اليوم غضباً على السلطة المفقودة..!!
:: المهم .. هناك آثار – وقد تكون مؤلمة – لأي إصلاح اقتصادي، ولكن هذا لا يعني التوقف عن الإصلاح استجابة لتلك المؤثرات.. لكل الأدوية آثار جانبية، ومع ذلك يصرفها الطبيب ويتجرعها المريض ليتعافى، وهكذا تحرير سعر الصرف (تعويم الجنيه)، إذ علينا تجرعه كعلاج، ثم الصبر على آثاره الجانبية، لتتعافى بلادنا.. وأن نتألم قليلاً ثم نلتحق بركب الشعوب الحُرة، خير من أن نتلقى منح الذل والقروض مدى الحياة..!!
:: ما يؤرق مضاجع الناس كثيرً، ليس الأكل والشراب، ولكن التعليم والعلاج ..فالشاهد أن الأسر تصرف الكثير في العلاج والتعليم، والقليل في الأكل والشراب، ولو نجحت الحكومة في تخفيض ميزانية صرف الأسر على التعليم والعلاج، فإن آثار سياسة تحرير سعر الصرف و ترشيد الدعم – المسماة برفع الدعم – لن تكون ثقيلة على هذه الأسر..فمع ترشيد الدعم، يجب مراجعة قوانين وميزانيات ونظم إدارة مؤسسات التعليم والعلاج، بحيث يكون التعليم (مجاناً) أو بأقل التكاليف، وكذلك العلاج..!!
:: ولا توجد آلية أفضل من التأمين الصحي لتخفيض تكاليف العلاج .. فالمؤسف، رغم ارتفاع تكاليف العلاج، لا يزال التأمين الصحي (متخلفاً) وعاجزاً عن ملاحقة التكاليف..مظلة التأمين، مقارنة بحجم السكان ونسبة الفقر، دون الطموح .. فالسلطات المسؤولة عنها عاجزة عن توسيع هذه المظلة بحيث تشمل الجميع ..إدخال الناس إلى مظلة التأمين الصحي يجب أن يكون بذات قوة تأمين السيارات.. إن كان تأمين السيارة (إلزامياً) عند الترخيص السنوي، فلماذا لا يكون التأمين الصحي إلزامياً أيضاً..؟
:: وكثيرة هي آليات تخفيف آثار برامج الإصلاح الاقتصادي على الفئات الضعيفة.. فمع الدعم المباشر (ثمرات) و غيرها، يجب إحياء الجمعيات التعاونية في الشركات والمرافق الحكومية، وتفعيل صناديق الرعاية الاجتماعية، وتوسيع مظلة كفالة الطلاب عبر صندوق دعم الطلاب، وتفعيل مراكز البيع المباشر بالمحليات لمكافحة السماسرة و..و .. وكثيرة هي آليات تخفيف آثار العلاج بالتحرير، لو توفرت الإرادة القوية و الإدارة المبدعة ..!!
:: ومع كل تلك الآليات، يبقى ترسيخ مناخ الإنتاج ومكافحة الفساد أهم آليات تخفيف الآثار .. ثم الخطاب السياسي المسؤول، حتى ولو كان معارضاً لتحرير الصرف.. فالسياسي المسؤول يختلف عن النشطاء بالوعي والحكمة، وليس بتأزيم الأزمات، كأن يرفض من أجل الرفض، وليس من أجل تقديم البديل المثالي .. وكل المطلوب من الجميع هو التحلي بروح المسؤولية و الوعي في الحوار والنقاش وطرح الحلول، والتخلي عن التهريج و(العنتريات)، و كأن سعر الدولار كان جنيهاً قبل خمسة أشهر ..!!