*اعتباراً من يوم أمس؛ الثاني من يناير 2022 بدأت مرحلة جديدة من عمر الفترة الانتقالية . ومرحلة جديدة في المشهد السياسي السوداني .
*خروج دكتور عبد الله حمدوك من رئاسة مجلس الوزراء تعني نهاية الفصل الأخير في دراما الشراكة بين المدنيين والعسكريين .
*معلوم أنه بعد قرارات 25 اكتوبر من قبل الفريق البرهان . و الاتفاق السياسي في 20 نوفمبر؛ عقب عودة حمدوك من الإقامة الجبرية؛ لم يعد هنالك مدنيون في هذه الشراكة، سوى حمدوك فقط، بجانب العائدين جراء اتفاقية جوبا للسلام.
*تعقيدات الوضع الآن ليست في مغادرة حمدوك فقط؛ والتي قد تجر البلاد باتجاه الفوضى ، لكن أيضاً في تكييف استمرار مجموعة سلام جوبا في الحكم وفي شراكة مدنية غاب عنها رئيس الوزراء نفسه..فهل من الممكن استمرار وزراء في العمل من غير رئيس للوزراء؟ وإلى أي جهاز تنفيذي يتبعون؟ اللهم إلا إذا اتخذ رئيس المجلس السيادي قراره المتوقع بحل الحكومة وتشكيل حكومة تسيير أعمال، تضمن لجبريل إبراهيم ومن معه شرعية الاستمرار في مهامهم.
*برغم أن حمدوك خسر كثيراً من رصيده السياسي، ووقفت ضده القوى الحية التي تملك زمام تحريك الشارع ، والمتمثلة في لجان المقاومة بعد عودته الأخيرة واتفاقه مع البرهان، مثلما خسر ما تبقى له من تأييد من بعض قوى الحرية والتغيير ، وتجمع المهنييين، بل إنهم اعتبروا عودته شرعنة للانقلاب، لكن هذا لا يعني أن خروجه من المشهد في الظرف الحالي سيكون لمصلحة الجميع أو أنه سيهدئ من الأوضاع المشتعلة في الشارع ويوقف نزيف الدم. غياب حمدوك من المرجح أن يزيد من وتيرة الاحتقان وحركة الاحتجاج في الشارع؛
*وربما تصبح المواجهات بين القوى المدنية والأمنية مكشوفة أكثر مما كانت عليه .
حمدوك قدم مبررات قد تكون منطقية لاستقالته؛ لكنها ماكان لها أن تكون كذلك إذا أدار المرحلة بقليل من الحكمة السياسية، وعدم التردد في اتخاذ القرار .
*تردد حمدوك وطريقته البطيئة قادت البلاد للفشل في كل النواحي..اقتصادياً وسياسياً.
مرت أكثر من نصف الفترة دون استكمال هياكل السلطة الانتقالية ، ولم يحدث أي تحرك في ملف إنشاء مفوضيات الانتخابات، ومحاربة الفساد، والإصلاح القانوني؛ حتى عمت الفوضى كل مؤسسات الدولة.
من المؤكد أن حمدوك قاد تحركات واسعة لعودة السودان للمجتمع الدولي، لكن المؤكد أيضاً أن هذه التحركات كانت ذات كلفة عالية، دفع ثمنها الباهظ المواطن الذي اقتطع من قوته مبالغ تفوق 500 مليون دولار تعويضات لأسر ضحايا المدمرة كول وسفارتي أمريكا في نيروبي ودار السلام.
*كما كانت أيضاً التكلفة باهظة على المواطن جراء التطبيع مع صندوق النقد والبنك الدوليين، وذلك لدخول السودان برنامجاً مراقباً من صندوق النقد الدولي، على إثره رفعت الدولة يدها عن دعم الوقود والخبز والدواء والكهرباء ، دون أن تضع معايير سليمة للدعم المباشر للشرائح الفقيرة المتأثرة بهذه الجراحة القاسية دون تخدير.
*برغم ذلك لا أعتقد أن الخيارات المتوقعة بعد غياب حمدوك ممكن أن تكون مأمونة العواقب. بل العكس هناك تخوفات كبيرة من انفراد العسكر بالحكم، او اتخاذ المجلس السيادي لقرارات بديلة؛ من ضمنها التعجيل بالانتخابات، مما قد يؤجج الأوضاع ولا بقود إلى التهدئة.