رئيس مفوضية حقوق الإنسان رفعت ميرغني لـ(الانتباهة): أكثر من (6) آلاف محكوم عليه بالإعدام في السجون السودانية
حوار: خديجة الرحيمة
لائحة السجون تحتوي على (الضرب) كعقوبة للمساجين
وجدنا بسجن (شالا) بالفاشر أشخاصاً لديهم إعاقات ذهنية
الحصانات تعيق التقدم في مجال حقوق الإنسان ونسعى لإزالتها
أشخاص يستغلون شعارات حقوق الإنسان لتحقيق أهدافهم
غياب المجلس التشريعي خلق أزمة ووزارة العدل ليست جهة تشريع
أوضاع السجون لا تسر… ولدينا (20) ألف نزيل
(….) هذه الجهات لديها رغبة في إعادة الأوضاع للمربع القديم
لدينا التزام بحماية واحترام حقوق الانسان في السودان
كشف رئيس المفوضية القومية لحقوق الانسان رفعت ميرغني الامين عن أوضاع مأساوية بالسجون، وافاد بأن عدد السجناء بلغ (20) الفاً منهم ما يفوق (6) آلاف منتظر لحكم الاعدام، واصفاً ذلك الامر بالخطير. وتوقع ميرغني في هذا الحوار مع الـ (الانتباهة) ارتفاع حصيلة المحكوم عليهم بالاعدام الى اعداد مهولة جراء غياب المحكمة الدستورية، معرباً عن اسفه العميق لاوضاع السجون ومعسكرات النازحين بالبلاد، واقر بوجود ما سماه الخلل في المسار التشريعي لجهة غياب المجلس الوطني (البرلمان). وتنبه الصحيفة الى ان الحوار تم اجراؤه قبل قرارات (25) من أكتوبر التي بموجبها تم حل الحكومة وتعطيل عدد من المواد في الوثيقة الدستورية.
في البدء دعنا نتعرف عليك أكثر؟
ــ انا رفعت ميرغني الامين رئيس المفوضية منذ مارس الماضي، وانا سعيد بالتواصل مع الصحافة التي تعتبر جهازاً مؤثراً في مسألة حقوق الانسان ورفع الوعي، لأن المشكلات التي نعاني منها ليست انتهاكات متعمدة بقدر ما هي مشكلة وعي، وواحدة من ادوارنا العمل على تغيير الوعي المجتمعي لكثير من الفئات المتعلقة بحقوق الانسان، ونحن حريصون على تدريب الصحافيين والصحافيات على ذلك، كما نحرص ايضاً على تدريب الجهات المكلفة بإنفاذ القانون وكل القوات النظامية، لان حقوق الانسان مسألة تعاون وتواصل بين كل هذه الجهات.
* باعتبارك رئيساً للمفوضية في ظل الثورة.. هل واجهتك اية صعوبات وما هي المهام التي تضطلع بها؟
ــ بالتأكيد واجهت صعوبات لان شأننا شأن اية مؤسسة، كما واجهنا عدة تحديات جزء منها مرتبط بالوضع العام وآخر بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وهذه شكلت لنا كثيراً من العوائق، ومن الاشياء المحزنة أننا حينما قمنا الاسبوع الماضي بعمل رصد للتظاهرات التي حدثت في عدد من المدن خاصاً في العاصمة لم نجد وقوداً، فكل التحديات التي تمر بها البلاد تؤثر في عملنا، والمهام التي اضطلع بها بشكل عام مرتبطة بعدد من الزوايا، منها مسألة الحماية والرقابة على الاداء الحكومي في ما يتعلق بحقوق الانسان، كما نقوم بعمل رصد للانتهاكات التي تحدث، وزيارات للسجون وتغطية للتظاهرات والتجمعات السلمية والعنف ضد النساء وحقوق الاشخاص ذوي الاعاقة وحماية الاطفال، كما نقوم بمراقبة التشريعات التي تتعلق بحقوق الانسان والحوار المجتمعي حول قانون المفوضية في ظل غياب المجلس التشريعي الذي يعبر عن الارادة الحرة للشعب، وفي ظل غياب المجلس التشريعي اقترحنا توسيع دائرة المشاورات لجميع القوانين المتعلقة بحقوق الانسان بالمشاركة مع هيئة محامي دارفور و (منظمة معاً في خدمة الانسانية) والمعهد السوداني الديمقراطي، ولدي كثير من المهام الاخرى التي اضطلع بها.
* هنالك اتهام بوجود خلل في المنظومة الحقوقية لاسيما ان السودان غير مستعد لاحتواء ملف حقوق الانسان؟
ــ هذا الحديث غير صحيح ولا يوجد اي خلل، وبالتأكيد لدينا عوائق وصعوبات، ولكن لا يمكن ان نقول ان السودان غير جاهز، ولا توجد دولة في العالم لديها خيار بأن تكون جاهزة او لا، ولكن كل الدول لديها التزام بحماية واحترام حقوق الانسان. والحديث حول اننا مجتمع غير جاهز لحماية حقوق الانسان او متناقض ليس دقيقاً، لان حقوق الانسان هي الكرامة والحرية والمساواة وعدم التمييز، وهذه المسألة في كل العالم، والاديان والثقافات نجد لها اصولاً، وكل الدول ملزمة بشكل كامل بالمعاهدات الدولية.
*آخر اجتماعات مجلس حقوق الانسان بجنيف والتقرير الذي قدمه السودان هل هنالك أي اشارات سالبة ؟
–التقرير قدم من قبل مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان عن حالة حقوق الانسان بالسودان ضمن البند العاشر من جدول اعمال المجلس والتقرير كان إيجابياً مقارنة بالسنوات الماضية ولكننا نطمح للأكثر ولا يوجد تقرير يخلو من الاشارات السالبة نحن نحتاج لمجهودات كثيرة للتحول في مجال حقوق الانسان
*تم توقيع اتفاق جوبا وأقر محاكمة الذين ارتكبوا جرائم الحرب ولكن ترسانة الحصانات تمنع محاكمة الكثيرين ما هو دوركم في هذا الامر وهل هنالك تواصل مع المحكمة الدولية في هذا الخصوص؟
–نحن دائماً نتحدث عن ان مسألة الافلات من العقاب سوف تؤدي الى مزيد من الانتهاكات وفكرة المحكمة الجنائية هي منع الافلات من العقاب لانهم اكتشفوا اربعة انواع من الجرائم وهي الابادة الجماعية والحرب والعدوان وغيرها هذه الجرائم لا يرتكبها اشخاص عاديون بل اشخاص لديهم وضع في الدولة وحصانات إجرائية لذلك يفلتون من العقاب والافلات مسألة لديها عداء مباشر مع حقوق الانسان ونحن نسعى بأن تزال هذه الحصانات التي تعيق التقدم في مجال حقوق الانسان واعتقد ان الوضع اختلف وتابعت في الفترة الماضية عندما تحدث انتهاكات من اشخاص يتبعون لجهة نظامية لا يتأخرون في رفع الحصانة عنهم ويتم تقديمهم للنيابة العامة وصدرت عديد من الاحكام في هذا الصدد وهذه مسألة ايجابية ونحن نتمنى ان تنتقل هذه من الممارسة الى القانون لان الحصانة تعني ان هناك اشخاصاً فوق القانون وفيما يتعلق بتواصلنا مع المحكمة ليس لدينا تواصل مع المحكمة الدولية.
* هل هنالك اهتمام من قبل حكومة الفترة الانتقالية بعملية حقوق الانسان؟
–لا استطيع ان اقول بشكل مباشر بأن هنالك اهتماماً ام لا ولكن هنالك محاولات ونحن من خلال وضعنا في المفوضية لدينا تواصل مباشر مع عدد من الجهات منها وزارة الداخلية والنيابة العامة وعدد من المؤسسات الحكومية ووجدنا استجابة سريعة منهم للطلبات التي نقدمها لمعالجة بعض المشكلات وهنالك ارادة للانتقال في مجال حقوق الانسان ولا ننكر ان هناك بعض التيارات لديها رغبة في ان تنقل الامور للمربع القديم ولدينا صراع ولكننا نسير في خطوات جيدة في احترام وحماية حقوق الانسان بدليل اننا صادقنا على عدد من المعاهدات في هذا المجال وعالجنا بعض التشريعات والممارسات التي كانت تحدث على ارض الواقع
*هل هنالك استغلال لمسألة حقوق الانسان لخدمة اجندة ما؟
–نعم هناك اشخاص يستغلون شعارات حقوق الانسان لتحقيق اهدافهم ولا بد ان تفهم فكرة حقوق الانسان للجميع لمعرفة حقوقهم ضمن منظومة عامة تراعي حقوق الاخرين وكل شخص لديه حرية التعبير ولكن تصبح مشكلة عندما تقوم بإغلاق طريق ومن حق اشخاص اخرين المرور به ولا بد ان تتوفر مسألة توازن المصالح التي تعني ان اي شخص لديه الحق في ممارسة حقوقه ولكن لا ينسى ان هنالك اشخاصاً لديهم حق ايضاً وهنالك اشخاص يريدون ان يحققوا اغراضاً سياسية وهذه مسألة خطيرة وغير اخلاقية.
*هنالك ملفات تتحرك من الخرطوم الى الولايات المتحدة وبعض المنظمات وهنالك من يتاجرون بهذه الملفات هل تتابعون ذلك بصورة جيدة؟
–في كثير من الاحيان لا نعنى بهذه المسألة وفكرتنا الاساسية رصد الانتهاكات على ارض الواقع واحياناً تختلف التقديرات والادوات في مسألة الرصد ولدينا معايير دولية للقياس لمعرفة الانتهاك كما نتواصل مع جهات اخرى ولا يوجد شيء يمنعنا من التواصل مع منظمات غير حكومية واذا قام اشخاص بالتواصل مع منظمات دولية بحقائق محددة في هذا المجال هذه ليست جريمة وفي مجال حقوق الانسان العالم اصبح قرية واحدة وما يحدث في الخرطوم هنالك اشخاص من واشنطن ودول اخرى يتأسفون له والعكس كذلك والمطلوب دائماً ان تتوفر الموضوعية والمصداقية .
* هناك مبعوثون من عدد من المنظمات يأتون الى الخرطوم ويتحركون جيئة وذهاباً الى سجن الهدى وكوبر هل هنالك رضا من هؤلاء المبعوثين؟
–ليس لدي معلومات كافية عن هؤلاء المبعوثين ولا استطيع الافتاء في ذلك.
*هنالك شكاوى نزلاء من هدر حقوقهم الاساسية التي نادت بها الوثائق الدولية والوثيقة الدستورية، ما مدى الاهتمام بذلك؟
–نعم اتفق معك ونحن قمنا بعدد من الزيارات للسجون في الخرطوم وشمال دارفور وجنوب كردفان واوضاع السجون لا تسر ابداً هنالك مشاكل متعلقة بالصحة وتلقي العلاج والصرف الصحي والايواء وهناك مساجين ينامون على الارض وعندما نتواصل مع ادارة السجون يقولون لنا ان المشكلة أكبر من ذلك والسجون تحتاج لدعم ولا بد على الدولة ان تقوم بتوفير الدعم وللأسف السجون تعاني من مشكلة إمكانيات وتضرر السجناء بشكل كبير من ذلك ولدينا واقع سجون سيء وأعتقد ان هنالك بعض السجون وضعها جيد وما يحدث في الواقع نجده طبق الاصل في السجون ولكن الفرق اننا احرار ولا بد من توفير المأوى والصحة للسجناء نعم هم سجناء ولكن كرامتهم غير منزوعة منهم لدينا مساع لتعديل لائحة السجون التي تحتوي على الضرب كعقوبة حتى الان كما نسعى للتواصل مع وزارة الصحة لان مسألة حصول السجناء على التطبيب حق اساسي ولا بد من الحصول عليه
*قضية حقوق المعتقلين داخل السجون هل لمستم اي تغيير في هذا الملف وفقاً لاتفاقية جنيف؟
–اوضاع السجون ليست جيدة وكل ما يقول عكس ذلك لا يريد تحسن الامور وخصوصاً السجون خارج العاصمة وعلى سبيل المثال في سجن شالا بالفاشر وجدنا أشخاصاً لديهم إعاقات ذهنية موجودون بالسجن وسط المساجين ومن المفترض ان يكونوا هؤلاء بالمصحات ووجدنا بنفس السجن مستشفى بشكل جيد ولكنه خال من حقنة واحدة او علاج للملاريا وامكانيات هذا المستشفى ضعيفة واذا ذهبنا لاي سجن نجد مشكلة صرف صحي وهناك مسألة أخطر من ذلك وهنالك 20 الف سجين وأكثر من 6 الاف شخص منتظر في احكام الاعدام وهذا العدد كبير وفي ظل غياب المحكمة الدستورية العدد قابل للزيادة ونحن من حيث المبدأ ضد عقوبة الاعدام ولكنها طالما موجودة في القانون نتعامل مع الواقع القانوني الموجود ولدينا مبادرة مع شركاء برعاية صديق تاور لعمل دراسة على المحكومين بالإعدام ونرى اذا كان من الممكن ان تحدث مصالحات مع اولياء الدم للحق الخاص تحديداً ونحاول ان نخرج المحكومين من مسألة الاعدام
*فيما يلي التشريعات هل هنالك تدابير مطمئنة ازاء التعديلات التي تمت في قانون حقوق الانسان مؤخراً؟
–وضعنا التشريعي اصبح مختلفاً لان وزارة العدل أصبحت مشرعاً وهذا غير صحيح وزارة العدل ليست جهة تشريع بل هي تصيغ القانون وجهة التشريع المعروفة في كل العالم هي البرلمان او المجلس التشريعي وغياب المجلس التشريعي ادى الى نتائج خطيرة لان وزارة العدل تحولت لمنظومة تشرع ومجلس السيادة والوزراء تحولا لبرلمان مؤقت وهذا خطأ ايضاً وكثير من التشريعات تمت صياغتها بشكل خاطئ ونحن نتحدث بصوت عال بأن تصحح هذه المسألة واتوقع بعد تشكيل المجلس التشريعي ان يعاد النظر في كل التشريعات التي تمت ونناشد بأن التشريعات التي لم تتم حتى الان تتم اعادتها بعد تشكيل المجلس وأقر بوجود خلل في المسار التشريعي وغياب المجلس التشريعي خلق ازمة في مسألة التشريعات وحول جهات غير مختصة لمشرّعين .
*هل هنالك تقاطعات بين اتفاقية سيداو والتشريعات الاسلامية؟
–الدين الاسلامي مفترى عليه وفي اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة بعض الاشخاص لديهم مشكلة في المادة 16 التي تتحدث عن المساواة في عقد الزواج والانفصال وتربية الابناء وفي الدين يوجد حق المرأة في العصمة عندما نتحدث عن اتفاقية سيداو يقولون انها متعارضة مع الدين وهنالك مسائل كثيرة جداً قابلة للاجتهاد والتفكير والاجتهاد لا يتعارض مع الدين والدين يحث على الاجتهاد وفي كثير من المسائل منطلقة من العقلية الذكورية الموجودة بالمجتمع التي تتقبل كل شيء الا عن النساء اما فيما يتعلق بالميراث هنالك كثير من الفقهاء الاسلاميين ناقشوا فيها امثال حسن الترابي والمشكلة ليست في الدين انما في العقليات الذكورية التي حاولت ان تستغل لأجل إعاقة النساء من التقدم والمساواة في المجتمع ويحدث التفريق بالاجتهاد وتغيير الزمن الذي نمر به .
*قانون المرأة والطفل هل هو رادع؟
–بالتأكيد لا القوانين غير رادعة حتى الان هنالك تحامل ضد النساء وكثير من حالات العنف موجهة ضد النساء ويجب ان نعترف بذلك ولا بد ان تكون القوانين رادعة ونحتاج لعمل سياسة عامة للدولة فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة كما نحتاج لعمل تدابير ادارية لتنفيذ القوانين وتسهيل الاجراءات للتواصل السريع في حال التعرض للعنف مع توفير مكان إيواء آمن للنساء ضحايا العنف
*ماذا عن قضية النازحين ؟
–بعد زيارتنا لعدد من المعسكرات في الفاشر وجدنا وضعاً يسيء لنا جميعاً من كل النواحي لان احوال المعسكرات تسير الى السوء وكل النازحين لديهم قرى ومزارع واعمال ويريدون العودة لها وكل ما يطلبونه عمل ترتيبات أمنية وآلية حماية المدنيين لحمايتهم مع عمل قليل من التعويض لهم وعدد المعسكرات بلغ 75 معسكراً.
*هنالك حقوق مترتبة على الحروب التي حدثت في السنوات الماضية كيف يتم معالجة ذلك وهل تتابعون ذلك من خلال آلياتكم المختلفة؟
–هنالك كثير من المشكلات التي حدثت في السودان لا بد ان تعالج في ظل ما يسمى بالعدالة الانتقالية ولا يوجد شيء يعوض الشخص عن فقد الابوين ما نستطيع فعله عمل تدابير لتضميد جراحهم وعمل تعويضات فردية وجماعية ورد اعتبار لهم وضمانات لعدم التكرار ولا بد من عمل ذلك لتقليل التأثير على النسيج الاجتماعي ولا يمكن ان نهرب من هذه المسألة.
*انتم كجهة رقابية على عمل الحكومة في استقبال الشكاوى من المواطنين الى اي مدى تتابعون ذلك وهل بالفعل استقبلتم شكاوى من المواطنين؟
–بالتأكيد نستقبل شكاوى بشكل يومي من المواطنين ونقوم بإحالة الشكوى لجهة الاختصاص ونتواصل معهم وفي كثير من الاحوال تتم الاستجابة لنا ويعالجون المشكلة ونحن نقول للمواطنين ان المفوضية مكان آمن لأي شكوى كما نهتم بالتواصل مع جميع الجهات المعنية والحمد لله نجحنا في كثير من الحالات وعالجنا كثيراً من المشكلات .