في ظل الفوضى المنظمة والمدبرة الموجودة في الساحة السياسية والأمنية الراهنة، أصبح الصوت العالي هو صوت إظهار الفشل في الحكومة الانتقالية، وأصبحت الإيجابيات مهملة ولا يتحدث عنها احد.
خطة الباحثين عن إعادة النظام الشمولي تمضي بنجاح من أجل تنفير الناس من الحكومة الانتقالية واحباطهم وتصوير الراهن والمستقبل باعتباره ظلام دامس وفوضى أمنية وعدم امان.
اعلام الحكومة الانتقالية ضعيف جدا في مواجهة الهجمات الإعلامية المنظمة من قبل اعداءها، وكوادر الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة الراهنة معظمهم منغمسين في صراعات حزبية داخلية، او محاصصات، او متفرجين، أو (شايتين) مع خط اعداء الحكومة.
مطلوب عمل (خطوات تنظيم) من إعلام الحكومة، ومن كوادر ونشطاء الأحزاب السياسية والحركات المسلحة المشاركة في السلطة، من اجل دعم الانتقال واظهار الايجابيات وعكس الاسباب الحقيقية للفشل من اجل اشراك الجماهير في الحقائق، ففشل هذه السلطة سيحسب على هذه الاحزاب في النهاية.
مهما اختلفنا مع حكومة حمدوك ومهما فشلت في مهامها التنفيذية لا يمكن بأي شكل او صورة ان نقارنها بالعهود الشمولية حيث تكميم الأفواه والقتل والتعذيب وبيوت الاشباح والمذابح والسمعة السيئة للسودان عالميا ودعم الإرهاب ومصادرة الصحف ومنع النشر والمحسوبية والحرب.
احداث شرق السودان رغم سوءها الا انها دليل على ان السلطة الانتقالية ليست سلطة قهرية، فرغم السلوك غير الحضاري وغير الشرعى من ترك ومجموعته بإغلاق طرق الشرق، الا ان الحكومة لم تطلق امنجيتها ليتصيدوهم بالرصاص، لو أغلق ترك هذه الطرق في عهد البشير ماذا كان سيحدث؟ تعلمون الاجابة، فأنتم تذكرون ماحدث في عام ٢٠٠٥ حين خرج مواطنو بورتسودان وجماهير مؤتمر البجا في مسيرة سلمية داخل بورتسودان، فتصدت لهم مليشيات البشير بالرصاص واغتالت أكثر من ٢٠ مواطن أعزل.
لذلك حديث البعض بان أحداث الشرق دليل ضعف لحكومة الثورة، وما كان ترك سيفعل فعلته في عهد الكيزان، هو حديث معكوس، فالصحيح أن خروج ترك ومجموعته آمنين مطمئنين للمطالبة بحقوقهم وان تعدوا على سلطة الدولة باغلاق الطرق، هو دليل على التغيير الإيجابي الذي أحدثته ثورة ديسمبر في الحكم، بجعل حياة الإنسان مقدمه عند الحكومة حتى على صورة الدولة، وهذه خطوة مهمة في مسار بناء دولة القانون. وكما اكتسبت الحكومة صفة ضبط النفس، فسيكتسب مواطنو الشرق ومواطنو السودان عامة مع الايام في ظل استمرار الحكم الانتقالي ثقافة الاحتجاج الحضاري الذي لا يتضمن إغلاق الطرق ولا الاعتداء على حقوق الآخرين.
الفكرة الاستراتيجية التى بنيت عليها ثورة ديسمبر هي توحيد السودانيين وبناء نظام ديمقراطي عادل، بينما الفكرة الاستراتيجية التي تنبني عليها مظاهر الفوضى الراهنة المدبرة هي الصدام بين الجماهير والحكومة ومن ثم تفريق وحدة السودانيين وتمزيق البلاد وإعادة الجماهير لبيت الطاعة تحت نظام حكم دكتاتوري لا يرحم ولا يستخدم سوى الكرباج والرصاص والسجون لاذلال الناس.
لذلك رغم ما تعانيه الحكومة الانتقالية الا انها ملتزمة بالفكرة الاستراتيجية للثورة، ومتمسكة بمسار تسليم السلطة للشعب بنهاية الفترة الانتقالية، وهذا هو المهم، لذلك دعم الحكومة وصولا بها إلى الاستحقاق الانتخابي وإعادة الحكم للشعب، هو هدف لا يجب أن يتنازل عنه عاقل او ناشط سياسي يفكر بحيادية وتجرد في مستقبل البلد ولا يفكر من منطلق حنق وغضب او معارضة من أجل المعارضة.