أريد أن أستذكر معكم اليوم حكاية جميلة، موثقة بالفيديو على يوتيوب مع بعض شخصياتها الحقيقية، وتتعلق بالسيدة الأمريكية لاز كويفاس التي شب حريق في بيتها. استطاعت الهرب باثنين من أطفالها من الحريق، وبرغم أن فريق الإطفاء نجح في إخماده خلال دقائق، إلا أن النار أتت تماماً على الغرفة التي كانت ترقد فيها ابنتها دليمار فيرا البالغة من العمر عشرة أيام فقط. وأبلغ الإطفائيون الأم بأن النار قضت على الطفلة بحيث لم يبقَ من جسدها شيء.
بعد سنوات طوال، كانت السيدة لاز كويفاس في حفل بمناسبة عيد ميلاد أحد أطفال الحي، عندما وجدت نفسها تقترب من طفلة حلوة وتقول لها إن هناك “لباناً” (علكة) ملتصقة بشعرها. ثم ربتت على شعر الطفلة وانتزعت منه شعيرات قليلة، وهرولت بها إلى مختبر جنائي. وبإجراء فحص الحمض النووي (DNA) على شعر الطفلة، اتضح بما لا يدع مجالاً للشك أنها ابنة لاز. نعم، كانت هي بالفعل دليمار، ابنة لاز التي افترض الجميع أنها ماتت حرقاً عام 1997.
وعندما توجهت الشرطة إلى بيت المرأة التي كانت تدّعي أنها أم الطفلة، كانت قد اختفت، وما زالت هاربة تاركة وراءها ثلاثة من أطفالها (اتضح أنهم مختطفون أيضاً). واكتشفت الأم والشرطة أن الحريق الذي شب في بيت لاز كويفاس عام 1997 كان مفتعلاً، وأن من تسبب فيه هي جارتها كارولين كوريا التي زارتها في ذلك اليوم. فقد تسللت إلى غرفة الطفلة الرضيعة حيث تركت نافذتها مفتوحة، ثم دخلت البيت من الباب الخلفي وسرقت الطفلة، وأشعلت النار في غرفتها لمحو آثار جريمتها. ثم كان ما كان من أمر ذلك الحفل وقيام لاز بنزع شعيرات من رأس الطفلة ولجوئها بعدها إلى الشرطة، وصولاً إلى استرداد ابنتها التي فارقتها وعمرها عشرة أيام، واستعادتها بعد أكثر من 12 سنة!
تذكَّر أن شكل الطفل الرضيع يتغير من شهر إلى آخر خلال سنته الأولى، وأن الطفلة الرضيعة دليمار فيرا كانت قد كبرت بعيداً عن أمها وتغيرت كافة ملامحها عما كانت عليه يوم اختفائها وعمرها أقل من أسبوعين، ومع هذا فإن الأم الحقيقية أحست بشيء ما يقول لها: تلك ابنتي التي قالوا إن النار قضت عليها بالكامل. وتلك هي كيمياء الأمومة وسحرها العجيب.
كل بنت – في التحليل الأول والأخير – “مشروع أم”، وحتى اللواتي حرمتهن المقادير من الأمومة، لسن محرومات من مشاعر الأمومة، ففي داخل كل امرأة سوية غدد وعروق تنبض بالحب والحنان وقوة مغناطيسية تجذب إليها كل من تحب.
كان صديقي السفير ن. س. وزوجته قد عادا إلى الخرطوم من نيروبي على أن يلحق بهما ولدهما بعد أيام قليلة. وذات يوم، دخل ن. س. على زوجته في البيت، ووجدها تجلس ويديها على رأسها، فسألها ما بها، فقالت: عندي إحساس (مجرد إحساس) أن ولدنا ليس بخير. فقال لها ما معناه: لا داعي للوساوس. وبعد سويعات بلغهما الخبر الفاجع أن روح ولدهما صعدت إلى بارئها في حادث مروري في كينيا.
كان عيالي في سنوات طفولتهم الأولى شديدي الالتصاق بي كلما أرادوا اللعب والصخب، ولكنهم كانوا ولا يزالون يهربون بعواطفهم وأسرارهم وأفراحهم وأحزانهم إلى أمهم، لأنها مثل كل أم تملك قوى داخلية غير مرئية لا أملكها أنا أو غيري من الرجال!
أليس هذا كافياً لإقناعك بالنظر إلى أمك وأختك وزوجتك وجارتك وقريبتك ككائنات مميزة تملك طاقات هائلة للعطاء والحب والحنان؟



