اخبار السودانمقالات

إبراهيم شقلاوي :حكومة السراب ؟!!

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي

 

تظل الشعوب الناجحة هي التي ستفيد من قراءة التاريخ وتتدبر العبر . كما نذكر ، خلال الحرب الأهلية اللبنانية “1975-1990” نشأت حكومات موازية وميليشيات متنافسة بدعم إقليمي ودولي، مما أدى إلى تآكل السلطة المركزية وتفكيك الدولة اللبنانية .

 

 

 

 

وفي ليبيا أيضاً بعد عام “2011، تأزمت الأوضاع بشكل مشابه، حيث نشأت حكومتان موازيتان: حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج وحكومة خليفة حفتر ، كان ذلك مظهر من مظاهر الصراع علي السلطة والنفوذ مدعوم من أطراف إقليمية ودولية ظلت متحكمة في سيادة البلاد .

 

 

 

اليوم في السودان ربما يعيد التاريخ نفسه؛ إذ تشهد البلاد منذ منتصف أبريل من العام الماضي حربًا طاحنة بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان راس الدولة، الذي يسعى لاستعادة الأمن وتحقيق السلام، ومليشيا الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو ،

 

 

 

 

التي حاولت الانقلاب على نظام الحكم في أبريل 2023” بدعم إقليمي وإسناد من بعض القوى السياسية. دخلت البلاد بعدها في مرحلة انقسام سياسي عميق. خلال هذه الفترة، حقق الجيش السوداني، مسنودًا بقوى الأحزاب الوطنية والشباب السوداني، انتصارات واسعة في جبهات القتال، مما أفقد المليشيا الأمل في الانتصار والسيطرة على الدولة.

 

 

 

 

 

دفعها ذلك إلى محاولة تشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها، ما يهدد استقرار السودان ويزيد من تعقيد المشهد السياسي.

 

 

 

من خلال الدروس المستفادة من التجارب المذكورة في لبنان وليبيا يمكننا أن تطرح تساؤلات هامة حول تأثير التدخلات الإقليمية على استقرار المنطقة ومستقبل وحدة الدولة السودانية، في وقتٍ تتداخل فيه المصالح الإقليمية والدولية لتزيد من تعقيد الأوضاع. فكرة الحكومة الموازية أو نزع الشرعية ظلت على الدوام جزءًا من أدبيات تنسيقية القوى المدنية “تقدم”،

 

 

 

 

 

باعتبارها حلاً لمواجهة الحكومة السودانية الحالية ، التي يصفونها بأنها “حكومة الأمر الواقع”. بالرغم من ان العالم يقر هذه الشرعية وظل يتعامل معها ويحفظ لها كافة الحقوف كممثل للشعب السوداني لكن تظل فكرة الحكومة الموازية تثير تساؤلات حول دوافعها وتأثيراتها على المشهد السياسي السوداني، وحظوظ نجاحها في تحقيق الاستقرار.

 

 

 

 

 

كما نعلم منذ سقوط نظام عمر البشير في 2019، دخل السودان في مرحلة انتقالية معقدة ومشوبة بعدم الاستقرار. ورغم التوصل إلى اتفاقات سياسية خلال هذه الفترة بين العسكريين والمدنيين،

 

 

 

 

 

ظلت أطماع القوى السياسية “قحت” التي سيطرت على مشهد التحول الديمقراطي تمنع أي مشاركة من بقية القوى السياسية الأخرى، بحجة ان ذلك فيه “إغراق للعملية السياسية”. حيث فرضت لاحقا ما عرف بدستور المحامين والاتفاق الأطاري في محاولة لاختطاف الدولة السودانية دون تفويض انتخابي من الشعب، هذا الوضع مهد الطريق لاندلاع الحرب بين الجيش والمليشيا في منتصف أبريل من 2023.

 

 

 

 

في خضم هذه الحرب، طرحت قوى “تقدم” فكرة تشكيل حكومة في المنفى كوسيلة للتحدي السياسي ضد الحكومة السودانية القائمة .

 

 

 

 

 

كانت الفكرة تهدف إلى تعزيز الاعتراف الدولي بها كمعارضة سودانية في أي تسوية محتملة بجانب توسيع نطاق الضغط على الجيش السوداني للقبول بحل سياسي يعيد المليشيا وداعميها للمشهد السياسي من جديد .

 

 

 

 

لكن سرعان ما أُحبطت هذه الفكرة بفعل تقدم الجيش مسنودا بالمقاومة الشعبية في جميع المحاور وجبهات القتال.

 

 

 

 

بالرغم من الدعم الذي لاقته فكرة تشكيل حكومة في المنفى من بعض القوى السياسية، شهد التحالف “تقدم” نفسه انقسامًا داخليًا حول جدوى هذه المبادرة.

 

 

 

 

 

 

ترى بعض الفصائل أن الحكومة الموازية قد تمثل أداة ضغط استراتيجية على الحكومة العسكرية وهذه تمثلها مجموعة الطاهر حجر والهادي ادريس ومجموعات اخري من داعمين المليشيا داخل “تقدم”، بينما تعارضها قوى أخرى ، مثل حزب الأمة القومي والمؤتمر السوداني، معتبرةً أنها تعمق فكرة انقسام البلاد ولا تمتلك قاعدة شعبية كافية لدعمها.

 

 

 

 

بالمقابل تظل التحديات الإقليمية والدولية شاخصة امام هذا المشروع، على المستوى الإقليمي، فإن بعض الدول قلّصت دعمها لمليشيا الدعم السريع، خاصة مع زيادة الانقسامات داخل قيادتها. أما على المستوى الدولي فليس هناك ادني احتمال للاعتراف بها ،

 

 

 

 

 

حيث بدأ التشكيك في قدرة هذه الحكومة الموازية على إدارة شؤون البلاد. بالنظر للانتهاكات الواسعة المرتكبة بواسطة المليشيا في حق المدنيين في دارفور وقري شرق الجزيرة والخرطوم، عليه و في ظل التحديات السياسية الداخلية والضغوط الخارجية،

 

 

 

 

تظل فكرة تشكيل حكومة موازية خيارًا سياسيًا غير عملي، لكن كما يبدو قابل للإعلان وليس التنفيذ باعتباره ربما يمثل ورقة ضغط يمكن التفاوض عليها مستقبلا في حال الذهاب لعملية سياسية بالنظر الي خطة الداعمين الإقليميين للمليشيا وزراعها السياسي بالإبقاء عليهم داخل المشهد السياسي السوداني تحت اي لافتة او عنوان.

 

 

 

 

هذا الواقع المجافي للوطنية وحفظ البلاد من التدخلات الخارجية يزيد من تعقيد المشهد السوداني ويطيل أمد الحرب. مالم بنجح الجيش في بسط سيطرته الكاملة علي البلاد ويستعيد الامن والسلام للسودانيين.

 

 

 

 

عليه وبناء علي ما نراه من وجهة الحقيقة، فإن فكرة تشكيل حكومة مدنية موازية في مناطق سيطرة مليشيا الدعم السريع تعكس حالة الانقسام والتشظي داخل المشهد السوداني، لا سيما داخل “تقدم”.

 

 

 

 

التي هي الان حائرة بين خيار دعم قيام هذه الحكومة والانحياز لها وتبني برنامجها وفقا لإعلان المبادي الذي وقعته مع المليشيا في أديس أبابا في فبراير الماضي أو الانسحاب من إعلان المبادئ ، الذي لم تلتزم المليشيا باي من بنوده المتعلقة بحماية المدنيين او فتح الممرات الإنسانية لكنها التزمت بقيام سلطات مدنية في مناطق نفوذها واخرها فكرة قيام هذه الحكومة السراب.

 

 

دمتم بخير وعافية
الأحد، 22 ديسمبر 2024م
Shglawi55@gmail.com

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

زر الذهاب إلى الأعلى