من أعلى المنصة
ياسر الفادني
وشوشني العبيرُ فانتشيتُ !
الوشوشة هي الهمس الخفيف وهي مفردة لايستعملها إلا رجل ضليع في اختيار المفردة ومتشرب من النيل العذب لبنت عدنان ،وشوشني العبير هو تشبيه بليغ وسماحة في إنتقاء المفردة الشاعرية المنمقة والجذابة وهذه هي مدرسة الشاعر الشرقاوي الراحل المقيم فينا أبو آمنة حامد صاحب المدرسة الفريدة في منهج الشعر السوداني ، شاعر يلعب بالتراكيب اللفظية لعب المتمرس في أوتار اللغة العربية الرنانة، شاعر يجيد التشبيه البليغ كيف لا وهو الذي أخرج نبضه الشفيف سال من شعرها الذهب وتدلي وما انسكب … كلما عبثت به نسمة ماج واضطرب !!
وشوشني العبير وانتشيت …راقني الهوي فما أبيت يد الحرير إرتعشت في كفي بكيت بكيت
هذه الكلمات العذبة كانت أجمل أغنية تغني بها المقيم الراحل صلاح بن البادية وأجاد فيها لحنا واداءا بصوته الأخاذ ، أغنية تجلي فيها البيجاوي أبو امنة حامد الذي ولد في مدينة هيا وللذي لايعرف أن أبو امنه حامد جده الناظر ترك وهو من أبناء عمومة الناظر ترك ناظر عموم الهدندوة الحالي ، تجلي شاعرنا في هذه الأغنية تجلي الذكي الفطن فنا وعصف الشاعر الاريب الأديب فنا
أبو امنه حامد وهو في سن العشرين أصدر ديوانه الأول ويعتبر من جيل الشعراء الذين جددوا في الشعر السوداني تأثر في معظم قصائده بالشاعر السوري نزار قباني ، كتب الشعر المقفي وكتب شعر التفعيلة وأبدع في الشعر العامي تغني له العديد من الفنانين الكبار مثل القامة محمد الأمين (رجع البلد) وسيد خليفة (جاري وانا جارو ) و(بنحب من بلدنا) للراحل محمد وردي و(نحن ما ناسك ) للمرحوم صالح الضي
من رعشتها بكيت صبية العطر يشتهيها أمذنب إذا أنا إشتهيت؟
سافرت في عيونها دهورا فما ارتوت عيناي ما ارتويت
جدائل الليل علي كتفيها تهدلت حولي فما إهتديت
لوحة فيها إبداع شعري لفظي عجيب كامل الدسم من حيث الأخيلة ومن حيث إنتقاء المفردة الجزلة ومن حيث البلاغة ومن حيث السرد الجاذب والصفاء الذهني العجيب، ابو أمنه حامد مزج الجمال في الالق وصار الشكل واضح المضمون أعذبا
إبن الشرق هذا !! كان بليغا فصيح اللسان شارد الذهن صفاءا ، لايكتب إلا عسلا مصفي من سدر الكلم الرقيق ، صحفي من الجيل المخضرم إعلامي واديب رفيع المقام أجاد ضروب التورية والطباق والمقابلة والجناس ، وهو من رواد مدرسة الرومانسية ، أسلوبه أقرب إلي النقد الصربح مع التهكم الفكاهي
فإن روي القيثار سر حبي قالوا له ماقلت مارويت
لكنه بكي حنينا بكيت من رقته بكيت ، ياالله عليك يا ابن البادية عندما جسدت ذلك الجمال البديع صوتا شجيا وحضورا جاذبا ولحنا مموسقا، ابو آمنة حامد وإبن البادية جمع بينهما الجمال والكلم العذب والصداقة والتعاون الفني الراقي ، ألا رحمهما الله وجعلهما في زمرة الخالدين…… و(ياهو دا الغنا ولا بلاش ) ! .