28 يناير 2023
“وها أنا ذا متروك كشيء على رصيف انتظار طويل، يخفق في بدني توق لأراك وندم لأنني تركتك تذهبين”.. غسان كنفاني..!
قرأت مقالك المنشور في هذه الصحيفة قبل فترة بعنوان “أمجاد عاطفية” وبعيداً عن براعتك في السرد والتحليل، وبعيداً عن وصفك البديع لرائعة الشاعر والكاتب الكبير فضل الله محمد والفنان العظيم محمد الأمين “الجريدة”، استوقفني جداً حديثك عن تلك الدراسة العلمية التي تضمّنت حقيقة مفادها أن العناد في حقيقته تشوهات جينية يعاني منها ثلث سكان العالم..!
ولعلي بكل أسف أحد المنتمين إلى هذا الثلث من سكان العالم. أنا الرجل الذي ضيّع حبيبته بعناده فدمر نفسه وضيّع زوجته إلى الأبد فأضاع نفسه. أحببتها جداً جداً وتمنيت أن أكون فارسها المنتظر، وقد كان. لكنني طلقتها على الفور بعد عودتنا من شهر العسل لأنها قد ثارت يوماً في وجهي واتهمتني بالأنانية والتقصير وطلبت الطلاق كورقة ضغط وفي لحظة غضب، شأنها شأن معظم النساء، لكنني عوضاً عن انحناء العاصفة حتى تمر تركت بيت الزوجية إلى غير رجعة وبت استمتع بتوسلاتها وعذابها وكلما بالغت هي في الاعتذار أوغلت أنا في صدي وعنادي، وكلما بكت واستعطفتني أن أعود كنت ازداد تمسكاً بقراري. قتلتها بدم بارد وأدرت ظهري لأصدق وأنبل عاطفة خبرتها في حياتي والسبب صلفي وغروري وعنادي الشديد..!
هي حتماً تشوهات جينية لأنني اكتشفت بعد ذلك أن نهاية عذابها كانت بداية عذابي اللا نهائي. بعد فترة من التأقلم وبكثير من الصبر وقليل من الرضاء بالأمر الواقع، استطاعت هي أن تتجاوز الأزمة وأن تشفى من فجيعتها وأن تمضي قدماً فتستأنف ما انقطع من حياتها مع شخص آخر يستحقها ويمتلك المقدرة على إسعادها، والأهم من ذلك كله أنه لا ينتمي إلى هذا الثلث البغيض من سكان العالم الأشقياء أصحاب التشوهات الجينية من أمثالي. أما أنا فلم أستطع يوماً أن أنسى كيف أضعتها من بين يدي، كيف هدمت بيدي هاتين ما بنيناه سوياً من آمال عراض، كيف انتقمت لنفسي ومن نفسي والنتيجة جرح هائل وندم عظيم وخسران مبين. والسبب هو العناد ثم العناد ثم العناد..!
سامحك الله يا أستاذة لقد لامست وجعاً، ونكأت جرحاً بمقالك الذي عملت فيه بمبضع الجراح على تعرية خصلة العناد قاتلها الله. كم أتمنى أن تنشري رسالتي هذه على أقراني وأشباهي وأشياعي في قبيلة العناد يتعظون..!
حالي التي تغني اليوم عن سؤالي وعذابي الذي يتجدّد كلما رأيتها تنعم بحياتها الزوجية وتستمتع بأمومتها دونما أي عناء، وشقائي الذي أخفيه عن زوجتي وأبنائي خلف قناع زائف من الجدية والصرامة. كل ذلك يضعني في خانة المذنبين التائبين ويجعل من حكايتي هذه عبرة لمن يعتبر وكما تقولين أنت في خاتمة بعض مقالاتك “هل من مذكر”..!