21 ديسمبر 2022
“لأن تصحب جاهلاً لا يرضى عن نفسه خير لك من أن تصحب عالماً يرضى عن نفسه”.. ابن عطاء الله السكندري..!
بعض فتاوى هيئة علماء السودان أيام حكم الإنقاذ تستوقف أي عاقل مكلف ينتمي إلى بلاد المسلمين، كتلك الفتاوى التي ذاع صيتها قبل سنوات من سفر الفنانين والفنانات للغناء بين يدي شريف نيجيريا.. إلى تكفير بعض العُلماء والمُطالبة باستتابتهم.. إلى تحريم التصويت لانفصال الجنوب.. ثم تحريم سفر الرئيس.. إلى الإفتاء بأنّ موجة الغلاء هي بلاغ من الله إلى الأمة بأن تتوب إلى الله.. إلى دعوة السلطات تجميد قرار منع الوعظ في الأسواق ..إلخ..!
سبب الحيرة ليس المنع أو التحريم، بل مبعث الدهشة هو توقيت ومضامين بعض الفتاوى التي كانت تصدر عن هيئة علماء السودان. الحيرة هنا – أيضاً – ليست من مبادرة الهيئة بإصدار الفتاوى في شؤون اجتماعية وفنية، بل في صَمتها الكبير عن البت – أحياناً – في شأن محيرات أمضى تأثيراً، ومغيرات أكثر إلحاحاً “على سبيل المثال، عِوضاً عن الإفتاء بشأن حرمة أموال حزمة فنانين قد يسيئون لسمعة مليون ميل مربع بالوقوف المبتذل بين يدي حاكم ثري مشكوك في نزاهة دعواته – وقد لا يسيئون – لماذا صمتت هيئة علماء السودان عندما اندلعت ثورة الصحافة على ابتذال القنوات الفضائية السودانية – جمعاء – لأجواء شهر رمضان الكريم، الروحانية، بالإصرار على المبالغة في برمجة الغناء، حتى لكأن السائح بين قنواتنا الفضائية من خارج الإطار المحلي يحسب أنّنا شعبٌ يصوم ثم يفطر على الوصلات الغنائية الجماعية، قبل أن يتمايل مع أنغام الموسيقى وهو بين يدي التراويح، ثم يرقص ويدندن مع سهرات الطرب حتى قبيل صلاة التهجد”..؟
وعِوضاً عن الاعتراض على تقنين الخطاب الديني وتنظيم الخطاب الدعوي درءاً للعُنف والاضطرابات الأمنية، أين كانت هيئة علماء السودان من سُمعة السودان دولة الوسطية عندما رسخت في أذهان الآخرين صورة المواطن السوداني الإرهابي بسبب انتشار بعض دعاوى التطرُّف والغُلو الديني في أوساط الجامعات، فهاجر بعض الشباب طلباً للشهادة بقتال إخوانٍ لهم في الدين، وكله في ظل غياب الدور الإصلاحي للخطاب الديني المُعتدل..!
إذا كان السكوت في معرض الحاجة إلى بيان يُعتبر بياناً وفي رواية قبولاً – بحسب القاعدة الفقهية – فلماذا سكتت هيئة علماء السودان عن بعض وجوه الظلم والتقصير في بعض المُعاملات الحكومية، ولماذا غضت الطرف عن تفشي بعض الظواهر السالبة التي كانت تنخر في تماسك المجتمع المسلم، ثم أخذت تتكلّم في جزئيات وتفاصيل ومنمنمات مثل إرجاع أسباب الغلاء إلى كثرة المعاصي، لماذا صمتت هيئة علماء السودان كثيراً وطويلاً في معرض الحاجة إلى بيانها في شؤون تتعدى ردود أفعال المحكومين إلى أفعال الحاكمين..؟
كل هذا يؤكد أننا اليوم – بعد اندلاع الثورة – بحاجة إلى ثورة لتجديد الخطاب الديني، نحن بحاجة إلى الحديث عن دور الإقناع – في نص الفتاوى الشرعية – كضرورة تتحقّق بالإبانة المتمثلة في تفنيد الأدلة وتسبيب الأحكام على نحو قاطع، يطاول منطق المجادلين ويراعي أكثر أفراد القافلة بطئاً – أعني قافلة الفهم – حتى لا يقع المواطن السوداني المسلم – المكلف بالامتثال اتباعاً واجتناباً – في لجة الحيرة من مواقف هيئات شرعية موقرة يحترم أحكامها، بل ويمتثل لها دُون قيد أو شرط وإن بقي في نفسه شيءٌ من الحيرة..!
munaabuzaid2@gmail.com