السودان الدولة الكبيرة والعظيمة والفخيمة، والتي قادت كل حركات التحرر في أفريقيا والعالم العربي طيلة القرنين الماضيين، وقاوم الاستعمار طيلة الفترات السابقة، بل دفع من أجل ذلك دماء وشهداء، وتعرّض الشعب السوداني إلى مذابح ومجازر، ومنها مجزرة كرري التي دفع الشعب السوداني فيها أرواح إثنى عشر ألف قتيل وثلاثة عشر ألف جريح وخمسة آلاف أسير، وجميع هؤلاء قتلهم كتشنر قائد جيوش بريطانيا الإمبراطورية التي لا تغيب الشمس عنها، وهم يدافعون عن وطنهم وفي أرضهم، وكانوا يتدافعون ويندفعون نحو العدو وتحصدهم المدافع، وكلهم ينادي (سدوا الفرقة) كلما سقط شهيد ملأ فرقته شهيد.
تاريخ السودان كله نضالٌ في نضالٍ منذ الاستعمار الأول (بريطانيا وشركاؤها) وحتى الاستقلال.
السودان دولة جبلت على الحرية والسيادة والعزة والكرامة، وشعبها شعبٌ وطنيٌّ ويحب بلاده، شعبٌ عالي الهمة، ورافع الرأس دوماً في تاريخه قاده رجال عظماء حافظوا على استقلال بلادهم، ولم يستكينوا حتى في فترات الاستعمار، وساهموا مساهمة كبيرة في قيادة التحرر لدول القارة الأفريقية، حيث دعموا الثوار في جنوب أفريقيا، وفّروا لهم الغطاء الدبلوماسي طيلة حربهم ضد التمييز العنصري، وكذلك دعموا ثوار الجزائر وثورتهم ضد المستعمر الفرنسي، وكذلك وقف السودان في قضية العرب الأولى القضية الفلسطينية حرباً ومدافعة، واشترك في كل الحروب العربية ضد الصهاينة في ١٩٤٨ و١٩٦٧ وحرب أكتوبر ١٩٧٣م، وكان هو جابر الأمة العربية في مؤتمر اللاءات الثلاثة بالخرطوم، حيث أصلح بين الرئيس عبد الناصر والملك فيصل.
إنها الخرطوم التي لم تُسلِّم زمامها لأي مستعمر، وإنه السودان الذي قاوم كل استعمار، وفي كل ركن وموقع فيه شهيد.. وهو من مؤسسي دول عدم الانحياز، وكان لاعباً أساسياً في مؤتمر باندونق.
هذا التاريخ الناصع المبهر جاء على قدر كبير من التضحيات.. وحافظ عليه شعب عظيم وقيادات وطنية خالصة ومخلصة وأمينة ومؤتمنة على الوطن.
ولكن هذه الأيام باع كثيرٌ من أبناء السودان هذا الوطن الشامخ الباذخ، وضعف السودان حتى صار محكوماً بسفارات بعض الدول، وصار سفراء بعض الدول الآمرين الناهين، وصارت بعض السفارات مزاراً من بعض أبناء السودان ساسة هذا العصر!!!
عجباً لهذا الوطن العملاق، الذي قزمه أبناؤه الذين تسلموا مقوده وجعلوه تحت جزم هؤلاء السفراء!!
لقد ضاع السودان المستقل الدولة ذات السيادة، وصارت كل القرارات تُطبخ في هذه السفارات، وآخر ذلك الرباعية التي تتدخّل حتى في اختيار حكومة السودان، تدعو هذا وتُقرِّبه، وتبعد هذا، وهكذا صنعت ساسة أذيال يتبعون سكان هذه السفارات وضاع القرار الوطني!!
أيُها السُّودانيون ماذا حَلّ بنا حتى نرهن قرارنا الوطني، بل نرهن دولتنا كلها لهذه السفارات التي لا مصلحة لنا فيها غير إضعافنا، ونهب مواردنا والاستخفاف بنا وبوطننا.
أيُها السُّودانيون نحن دولة عظمى، لماذا نقزم أنفسنا؟
حان الوقت أن نجتمع مع بعض، ونجمع أمرنا، ونبرز قرارنا الوطني، ونوقف التدخُّل الأجنبي في أمر بلادنا، إنّهم سوسٌ ينخر في جسد بلدنا.
هل نستطيع نحن أن نتدخّل في أمر أمريكا أو بريطانيا أو السعودية أو الإمارات أو دول الترويكا أو الدول الأوروبية.. ما هذا الهوان وهذا الضعف..؟
الى السفراء المقيمين في الخرطوم، كفوا عن التدخُّل في شأن السودان، واعلموا حدود واجباتكم وعملكم وحدود تفويضكم، والتزموا بالقوانين والأعراف الدولية التي تنظم علاقتكم بالدول التي تُقيمون فيها، وابتعدوا من التدخُّل في شؤون السودان الداخلية.. كفوا أيديكم عن التدخُّل في أمور السودان، واخشوا غضبة الحليم!!
أوقفوا أعمالكم التي تفرقون بها بين أبناء الوطن الواحد!!
يا أبناء السودان كفى ضعفاً وهواناً.. كفى صراعاً واقتتالاً.. كفى بيع وطن مثل السودان لهذه السفارات.
تعالوا نجلس مع بعض، ونتنازل مع بعض ونتراضى على حكم بلادنا بما نريد وكيفما نريد.
لا خير في هذه السفارات، إنها تخدم مصالح بلادها، ولا تخدم أغراض أهل السودان.. كفانا إهانة لوطننا وأهلنا!!
الفريق أول البرهان وإخوته أكربوا قاشكم.. أوقفوا هذا العبث قبل أن يوقفه الشعب السوداني.
أيُّها الثوار، مصلحتكم في وطن سوداني حر مالك لقراره، ليس وطناً يُدار من وراء البحار.
إنْها صيحة في وادي الوطنية والقرار الوطني لأمة حرة ودولة ذات سيادة مُفعْمة بالتاريخ الوطني والنضالي غال الثمن..!
عزيزي… لقد اسمعت لو ناديت حياً** ولكن لا حياة( ولاحياء) لمن تنادي!!