البرهان وخيوط السلطة.. مفاجأة تغيّر اللعبة؟
البرهان وخيوط السلطة: مفاجأة تغيّر اللعبة؟
تحليل سياسي: بهاء الدين عيسى
هل يخطط رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان لتحرك غير متوقع قد يغير قواعد اللعبة السياسية في السودان؟ تحركاته الأخيرة داخل الجيش وخارجه، من اعتقالات وتنسيق دولي غامض، تفتح الباب أمام التكهنات حول مفاجآت محتملة قد تعيد رسم المشهد السياسي والعسكري في البلاد.
أدت التحركات العسكرية الأخيرة في السودان، وعلى رأسها اعتقال اللواء عبد الباقي بكراوي، القائد السابق الثاني لسلاح المدرعات، فجر الثلاثاء، إلى إعادة تسليط الضوء على صراع النفوذ داخل الجيش وسعي القيادة الحالية لإعادة ترتيب خيوط السلطة. في الوقت نفسه، تتردد أنباء غير مؤكدة عن اعتقال أحمد هارون، رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول، ما يفتح الباب أمام التكهنات حول الخلفيات الحقيقية لهذه الإجراءات، مع غياب أي تأكيد رسمي حتى الآن.
هندسة السلطة العسكرية
إحالات التقاعد الواسعة التي شملت كبار الضباط، من بينهم قائد سلاح المدرعات الجنرال نصر الدين عبد الفتاح، تعكس استراتيجية واضحة للفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان: تعزيز مركزية القرار العسكري وتقليص أي نفوذ محتمل للضباط المرتبطين بفصائل سياسية أو إسلامية. هذه التحركات ليست مجرد إعادة هيكلة روتينية، بل خطوة محورية لإحكام السيطرة على الجيش وضمان قدرة القيادة على مواجهة أي تحركات مضادة داخل المؤسسة العسكرية.
زيارة سويسرا
زيارة البرهان إلى سويسرا حظيت بتكتم شديد ولم تصرح السلطات السودانية عن خبايا اللقاء، والذي جاء وفق معلومات أولية بوساطة تركية وترتيب قطري، والتقى خلالها البرهان مع ماساد بولوس، مستشار الرئيس الأمريكي ترمب لشؤون إفريقيا. هذا اللقاء يعكس سعي القيادة السودانية لتأمين دعم دولي يغطي إعادة ترتيب المشهد السياسي والعسكري داخليًا، ويضع السودان في موقف تفاوضي أقوى أمام الضغوط الإقليمية والدولية.
الإسلاميون داخل الجيش
رغم تراجع نفوذ الإسلاميين في القيادة السياسية بعد سقوط البشير في أبريل 2019، إلا أنهم لا يزالون ذوي ثقل داخل الجيش والأجهزة الأمنية. ويقاتلون بجانب الجيش السوداني في معركته ضد قوات الدعم السريع عبر فيلق البراء. كما أن لديهم عناصر مؤثرة داخل الجيش والأجهزة الأمنية، مما يجعل البرهان مضطرًا للتعامل مع هذا الملف بحذر شديد لتفادي أي صدام داخلي يهدد استقرار المؤسسة العسكرية. هذا الواقع يفرض على القيادة العسكرية موازنة دقيقة بين تقليص النفوذ السياسي للإسلاميين وبين الحفاظ على تماسك الجيش.
خيارات البرهان
البرهان أمام ثلاثة مسارات استراتيجية رئيسية:
1. تعزيز المركزية العسكرية داخليًا: عبر إحالات إضافية أو إعادة توزيع المناصب للحد من نفوذ الفصائل المتنوعة داخل الجيش.
2. توافق وطني محدود: عبر إشراك الإسلاميين والأحزاب الأخرى في ملفات محددة والتوافق، بما يحافظ على استقرار البلاد دون التضحية بالسيطرة العسكرية.
3. الدعم الدولي: عبر تعزيز علاقاته مع وسطاء إقليميين ودوليين، مثل الوساطة التركية والترتيب القطري، واستقطاب دعم أمريكي محتمل، لضمان غطاء سياسي خارجي يحمي خطواته الداخلية.
كل خيار يحمل مخاطر: التركيز الكامل على السيطرة العسكرية قد يؤدي إلى صدامات داخل الجيش، بينما التنازل عن النفوذ لصالح التوافق الوطني قد يقلص القدرة على فرض استراتيجية مستقرة.
تحركات البرهان الحالية تعكس رغبة واضحة في إعادة ترتيب المشهد السياسي والعسكري في السودان. ومع ذلك، يبقى السؤال المركزي: هل يستطيع البرهان تحويل السيطرة العسكرية إلى استقرار سياسي طويل الأمد، أم أن السودان مقبل على سلسلة من التوترات الداخلية والخارجية التي قد تعيد تشكيل المشهد السياسي من جديد؟