استوقفتني صورة علي الوسائط في صدفة قدرية حيث آليت علي نفسي ومن باب حرص المؤمن علي نفسه صدقة ان اعتزل الوسائط وما تحمله من غثاء وما اكثره لكنني طالعت خبرا متبوع بالصور عن زيارة للسيد البرهان الي ( برش ) المسجد الكبير ( العتيق ) بالخرطوم حيث تناول مع العامة وجبة الافطار .. والعامة هنا دقيقة في التوصيف حيث لا يرتاد ذلك المقام الا العامة لجوءا الي الله في بيته العتيق العريق وسط الخرطوم وهي وجهة مرغوبة محبوبة محبذة فاليه الملجأ وعليه التكلان …الصورة التي شدتني يبدو فيها البرهان جالسا وسط مجموعة من ظاهرها اكاد اجزم انها تمثيل حقيقي للسودان وتعبير دقيق عن تنوعه وامتداده حيث يبدو ان قصواءه قد جاءها امر الجلوس بغتة وزاد اندهاشي عند رؤيته يشمر عن كم جلبابه السوداني ويحمل اناء الادام لعله ( تقلية ) فيملّح العصيدة وهذا دور صغير القوم في مجتمعنا او صاحب المأدبة من باب الكرم السوداني الاصيل وفي كل هو تصنيف يصب في صالحه ايجابا فالخطوة برمتها اذابت جبل الجليد وكسرت طوق الجفوة بينه والشارع المشحون ضده حقا او بهتانا وتضليلا وارسلت عدة رسائل في مختلف صناديق البريد فحوى هذه الرسائل انه ابن بلد من هذا الشعب الفريد يعني ما يقول ويتبعه فعلا بائنا وسريعا ….
الامر استدعي في ذاكرتي حديث احد الاصدقاء من المملكة الاردنية الهاشمية حين وجدتهم كشعب يحتفون بالرئيس الراحل جعفر محمد نميري عليه رحمة الله فسالته عن سر ذلك التقدير فاجابني بانه الزعيم العربي الوحيد الذي تصدي للخلاف العربي الاردني الفلسطيني المشئوم حين زار عمان وطائرته تخترق مطر الرصاص في مخاطرة لا تخلو من تهور ونزل منها مرفوع الراس وكأن الغريزة البشرية للخوف قد نزعت منه وما غادر الا والخلاف قد حُل والفتنة وئدت ..هذه الروح الشجاعة المُقتحِمة المقدامة هي ما تحتاجه الشعوب لِتُلبس الزعماء إهاب التقدير و فروض الولاء فالسيادة والريادة دونها مهج وارواح ولا تجلبها جيوش الحراسة الجرارة المتوجسة خوفا وتخوينا ولا مصفحات العجم والعرب …
كثير من الانظمة والزعماء يملأون الاعلام ضجيجا بمواقف مصنوعة بعناية لكنها باهتة الصدي لافتقارها للاريحية والتلقائية والبعض ان لم يصنع الاحداث وظّف الصدف والسوانح فيخلق حولها هالة من الضوء تعمي البصر عن الفعل ولا تنفذ الي البصيرة ولكن تخلد في الوجدان تلك اللفتات واللمحات منزوعة الاغراض نابعة من الانتماء الحقيقي فتبقي محل الاحتفاء …
سهم نظري بعيدا في البحث عن نموذج يماثل هذه الزيارة الكبيرة العميقة ليس في التاريخ طبعا فهو مملوء ومزدحم ولكن مؤخرا أُبتلينا باسماء لا تملك من مواقعها الا مقام الجلوس عليها وملئها حيزا ماديا دون اي صلة بها من حيث الاخلاق والسلوك والالتزامات…
لم اجد من يستطيع شق الجموع و الجلوس وسط العامة ليتناول معهم وجبة الافطار يجلس كما يجلسون ويطعم مما يطعمون دون حراسة فجة خشنة او قلب يوجف او جفن يطرف هلعا او اجهزة للحماية مستوردة من خلف البحار لاجل شراء عمر هو اجل لا يعلمه الا الله …
ثم يتطوع لخدمتهم ويبادلهم الاحضان والعناق والتقاط الصور ثم يستمع لهم بادب جم ويناقش همومهم ويامر طاقمه بعدم اعتراضهم فهو منهم ولهم …
اعتقد ان البرهان بهذه الزيارة قد خطا خطوة عملية واسعة نحو الشعب وعامته وقد شق علي رصفائه انتهاج المرتقي فلا طاقة لهم بهذا النهج ولا جسارة يملكون وهو اقرب الطرق واصح الوسائل للخروج من ازمة الوطن التي فشلت في حلها مناهج التغريب و السياسات المستوردة فعامة الشعب هم ادري بالمصلحة واجدر ان يسمع لهم ….
أعتقد عل الامر قد هيأته بطانة الرجل وهذه محمدة تشفع لهم تقصير سابق ايامهم او مبادرة منه شخصيا وهي يقظة في التوقيت المناسب وضربة لاعدائه الظاهرين او المتلونين اختفاءا وهي بداية العودة الي جادة الصواب فالشعب وعامته خير من انتقاء النخب التي ما اتفقت علي المسلمات المعلومة بالضرورة ناهيك عن مواطن الخلاف منذ فجر الاستقلال والي يومنا هذا …
هذه الزيارة وما رشح عنها من صور وفيديوهات ومضة متوهجة في زمن عز فيه الامل ارجو ان تكون بداية لنهج يفتح الافاق الي واقع نرجوه ومحفزة للجميع للنزول الي الشعب فان الطريق الي قلوب العامة هو مجالستهم والاستماع اليهم دون وجل فنحن اناس اعظم ما فيهم بساطتهم لكن معدنهم انقي من الذهب كما قالها الشاعر الدسوقي
نقلا عن الرائد نت