الراى السودانى
في المساء، وقبيل ساعة من مغيب الشمس، تعودت ان أري حمدان (عشر سنوات) يمتضي حماره وهو يجوب شوراع الحي الذي اسكنه والاحياء المجاورة ، لبيع اللبن، وقد اتسخت ملابسه، ويفترض ان يكون حمدان في المدرسة، الا ان عمله الذي يبدا من اول النهار، لا يترك له وقتا لتحصيل العلم، وقد انضم الى شريحة متنامية من الاطفال العاملين في تسويق اللبن بسبب تردي الاوضاع الاقتصادية في البلاد التي تتوالى فيها الازمات السياسية، ومثلهم الألاف من الأطفال يعملون في مهن اخري خاصة في المناطق الصناعية، وآخرون يعملون في الطرقات كباعة متجولون.
ليس هناك ارقام رسمية عن عدد الأطفال العاملين في الخرطوم، لكن بعض المؤسسات العاملة في مجال الطفولة والأمومة تقدر عددهم بأكثر من مئة الف على الاقل في ولاية الخرطوم، وتتراوح اعمارهم بين 8 و 13عاما. وهم يعملون خصوصا في القطاعات الفنية كالميكانيكا وفي ورش الحدادة والسمكرة، وصناعات حرفية أخري صغيرة أخري لكن اغلبهم يعمل كباعة متجولون، يقول اسماعيل دريس من مكتب منظمة معاً من اجل الطفولة للصيحة ان الشريحة العمرية بين عشرة و 15عاما هي الاكثر تواجد في ساحات العمل، وهناك اطفالا اعمارهم اقل من ذلك ، هؤلاء الاطفال، يتعاملون مع مواد كيميائية في ورش لتصليح السيارات ومحلات الحدادة والنجارة وكباعة متجولون ويعملون في جمع النفايات وهم بذلك معرضون لاضرار صحية جسيمة”.
أطفال النزاعات
معظم الاطفال العاملون ينحدرون من مناطق دارفور وكردفان والنيل الازرق حيث شهدت هذه المناطق حروبا اهلية متطاولة، وعدد مقدر من الولايات المجاورة للعاصمة، ويعيش عدد كبير من عائلات منحدرة من تلك المناطق في اطراف العاصمة خاصة المنطقة الغربية، وكثيرون آخرون يعيشون في الاسواق بعيدين من الحماية الاسرية، اما الذين يعملون في جمع النفايات فاعدادهم في تزايد، ويمكن ان تراهم في كل مكان، ومنهم من يعمل بشكل رسمي في شركات نقل النفايات رغم ان القانون يمنع عمل الاطفال دون سن الـ 18، اما الذين يعملون في المناطق الصناعية، ويشكلون الغالبية، فان معظم تلك الورش لا توفر وسائل حماية للعاملين بها خاصة ورش تصليح السيارات والحدادة، لذلك من المتعود عليه رؤية الاطفال وهم يقومون باعمال اللحام واستخدام آلات خطرة ومواد كيميائية سامة من دون اي تجهيزات حماية.
الفرص الضيقة
اكثر من خمسة اطفال، التقيت بهم في المنطقة الصناعية وسط سوق الخرد، وجميعهم يقولون انهم يعملون كي يعيلوا اسرهم او كي يساعدو والديهم، وجميعهم يرون ان مستقبلهم افضل اذا ما تعلموا المهن، يقول احمد سروب ( 15عاما) ويعمل في ورشة للسمكرة ان والدته جاءت به للورشة عندما كان عمره 8 سنوات كي يتعلم مهنة السمكرة، ويقول بانه اصبح متقن للمهنة لكنه لا يريد مفارقة المعلم علي الذي علمه المهنة وعامله مثل ابنه.
ويتفق معه اسماعيل الذي يعمل في ورشة نجارة حينما يقول لي من الافضل ان اتعلم مهنة لاساعد عائلتي وربما افتح محلا خاصا بي في يوم من الايام، يضيف احمد الذي يبلغ من العمر 12 عاما “انا ادفع مصروف الصباح لاخواتي الطالبات وغيري ياخذ المصروف من والده او والدته”.
قوانين علي الورق
سريكل، واسمه الحقيقي آدم، يقول بانه يعمل في محل بيع الحديد الخرد منذ ان كان عمره 7 سنوات وانه يساعد والدته، لكنه يقول بانه لا يريد لابناءه في المستقبل ان يعلموا في السوق لانه “كعب” عاوز اولادي يصبحوا متعلمين لان التعليم كويس والاولاد المتعلمين نضيفين”، هولاء الاطفال بملابسهم المليئة بالزيوت هم عرضة للمواد الكيميائية، خاصة الذين يعملون في ورش السمكرة والميكانيكا.
السودان من الدول التي وقعت علي معاهدة منظمة العمل الدولية التي تحظر عمالة الاطفال، ولديه قوانين تمنع عمالة الاطفال، لكن ذلك
لم يغير من الواقع، والحقيقة ان الاطفال حتي من سن السابعة موجودون في الاسواق والورش وفي المطاعم وباعة متجولون، وقد تعرض بعضهم للاستغلال الجنسي والجسدي.