(1)
عندما أجد دولاً ليست ذات شأن من حولنا تتقدم ونحنُ نتخلف، لا أتساءل عن السر والأسباب وبواعث الحيرة ولا أندهش لأنني أجد في نماذج إدارة الدولة خلال عقود من الزمان وحتى يومنا هذا، ما يغني عن سؤالي ويبدد الحيرة ويزيل الدهشة، وفيما يلي أحاول تنشيط ذاكرة القارئ الكريم ببعض الوقائع التي تعكس المنهج المعطوب الذي كانت ولا تزال تُدار به الدولة…
(2)
حدثني ذات مرة وزير الإسكان الأسبق عمر حضرة، وذكر لي أن “امرأة” جاءت إلى الشريف حسين الهندي وأخبرته بارتيابها تجاه اجتماعات كانت تُعقد بمنزل جارتها «زوجة ضابط»، وشعرت بأن الحركة غير طبيعية وعرفت بحسها الأمني أن شيئاً خطيراً يُدبر في هذا المنزل ربما يكون ترتيباً لانقلاب عسكري، لكن تعامل الهندي والأزهري مع الأمر بعفوية شديدة، وتجاهل تام، وما كانت إلا أيام قلائل حتى سمعوا بعدها (المارشات) وتحول حكام السودان بعد نجاح انقلاب مايو إلى مشردين ولاجئين وسجناء بسبب العفوية التي أداروا بها البلاد أمنياً، وبسبب الاسترخاء الأمني والشيء نفسه حدث مع الصادق المهدي عندما كشف له مدير أمنه العميد عبد الرحمن فرح تحركات (الإنقاذ) حيث تجاهل الأمر وتعامل معه بعفوية شديدة، وتساهل أكبر وقال لمدير أمنه:”أنا متأكد وواثق ما حيقوم أي انقلاب” .. وكان قبل ذلك تُنزع (الإبر) من الدبابات وتوضع في مكان ما بمكتب وزير الدفاع، رئيس الوزراء الصادق المهدي للحيلولة دون الانقلابات، أو هكذا كان رئيس الوزراء، وزير الدفاع يحتاط للانقلابات، فما أغنى عنه نزع الإبر من الدبابات شيئاً… (نموذج فضيحة للتهاون في إدارة الدولة)…
(3)
زعيمة عصابة جاءت البلاد في مهمة استخباراتية خدعت نظام البشير بكل مؤسساته الأمنية والدبلوماسية والسياسية فاستقبلتها الدولة بالطبول والدفوف والمواكب الرسمية و”السارينات” و”الكنفوي” وقدمت نفسها على أنها ملكة جزيرة ترينيداد، وتريد زيارة للسودان لبحث فرص الاستثمار، ولم يُكتشف أمرها إلا بعد مغادرتها البلاد…(نموذج فضيحة لإدارة الدولة)..
(4)
رقصت الدولة طرباً واحتفت بخديعة “فانلة ميسي” الشهيرة التي انطلت على رأس الدولة والنظام عمر البشير وجهابذة نظامه وأركان حربه ومستشاريه، وقَبِلَ “الرئيس” الهدية وفرح بها وكاد يطأ الثريا من الزهو حينما انطلت عليه الكذبة، لتُكتشف الخديعة بعد مغادرة النصابة الأخرى البلاد، وحينما أعلن ميسي بنفسه أنه لم يقدم فانلته هدية للبشير، ولا علاقة له بالزائرة النصابة….. (نموذج فضيحة آخر لإدارة الدولة)…
(5)
وفد من رجال الأعمال الأمريكيين، أو ربما “مخابرات” زاروا السودان في العام 2014 وقدموا أنفسهم على أنهم دبلوماسيين أوفدتهم واشنطون، فالتقوا رأس النظام، ووزير الخارجية وقيادات البرلمان والحزب الحاكم وقد بالغت الدولة في الاحتفاء بهم… بعد مغادرتهم السودان أصدرت السفارة الأمريكية بياناً نفت فيه صلة الوفد بوزارة الخارجية الأمريكية، وعندما سألت الصحافة وزارة الخارجية السودانية: لماذا لم تتأكدوا من هوية الوفد قبل استقباله، فقالت خارجية الهنا: (البرلمان قدم لنا الوفد على أنه دبلوماسي، وتاني ما سألنا منو)..!!. (نموذج فضيحة آخر لإدارة الدولة)..
(6)
في ولاية سنار احتفت حكومة الولاية بشخص مختل العقل هرب من مصحة بالخرطوم وقدم نفسه لحكومة الولاية على أنه مستثمر وطني فاستضافته الولاية بقصر الضيافة وخصصت له أربع عربات دفع رباعي واحدة تقله والآخريات مرافقة له ليطلع ميدانياً على فرص الاستثمار، وقد اُقيمت له الولائم وحفلات الاستقبال، وبعد اسبوع كامل فاجأهم شقيقه (العميد) بالحضور إلى الولاية وأخذ المريض إلى المصحة… (نموذج فضيحة آخر لإدارة الدولة)..
(7)
الأمثلة كثيرة على قفا من يشيل، والمساحة المخصصة لهذا المقال أضيق من خُرم الإبرة، وما هذه إلا نماذج بسيطة لتعينك أيها القارئ الكريم على الإجابة عن السؤال : لماذا تتقدم دول ليست ذات شأن، بينما نتأخر رغم مواردنا الضخمة وفرص النهوض المتاحة أمامنا…..اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله وثق أنه يراك في كل حين.