القراية أم دق
(1)
اسمه عبداللطيف احمد في الاوراق الثبوتية – لكنه يفضّل دائماً ان يخفي هذا الاسم ليقدم اعماله وأفضاله من وراء حجاب ، فهو (ضمير مستتر) في افعال الخير، اذ تبنى افعاله الخيرية للمجهول دون ان يشعر به احد ،مثل (العبد الصالح) الذي يفعل الخير ثم يختفي فجأة بعد ذلك. نحن فيما بيننا نسميه (فليط) ربما بسبب الاريحية التي تسببها لك اطلالته ، اما في المجال الاعلامي فيطلق عليه اسم (ضفاري) نتيجة لسخريته اللاذعة في الرياضة والسياسة والمجتمع فهو اعلامي من فطاحلة الذين يجرون عملية (القلب المفتوح) بجراحة الكلمة الساخرة والقلم المشرط.
قبل ان احدثكم عن السبب الذي جعلني اكتب عنه اليوم – سوف اتوقف في البدء في العلاقة التي كانت تجمع (فليط) بوالدته الراحلة تقديراً للام ولدورها العظيم – دائماً تدهشني مثل هذه العلاقات الخاصة والتفاصيل التي ترسّخ لهذه العلاقة العظيمة– ومع عمومية هذه العلاقة وطبيعتها المعروفة التي تجمع بين الام والابن، إلا ان هناك بعض من نجحوا في أن يفتحوا (سفارات) ويقيموا علاقات دبلوماسية لهذه العلاقة عند الاخرين، عبداللطيف نجح في ذلك .. تحس بأمه عند كل اصحابه وأقاربه فهي (امنا) كلنا.. احترامي وتقديري للشخص يخرج من هذه النقطة. شخصية عبداللطيف وإنسانيته وسخريته اللطيفة تكوّنت من هذه العلاقة.
(2)
في فترة الاعتصام التي كانت بعد 6 ابريل 2019م واستمرت حتى مجزرة فض الاعتصام في 3 يونيو من نفس العام كان عبداللطيف احمد يأتي الى ارض الاعتصام بعربته (الهايس) محمّلة بمياه الصحة وبعض المأكولات ، حتى عرّضه ذلك الى ان تسحب منه (رخصة) السيارة التي كان يمكن ان تصادر بعد ان ظلت رخصته في حيازة الشرطة لمدة اسابيع.
ضفاري كان يفعل ذلك بدون اضواء ومن غير (سيلفي) وسيارته محمّلة بالمياه الصحية في ارض الاعتصام.
هذا النموذج الذي كان يقدمه ضفاري شاهدنا امثلة كثيرة له في الحراك الثوري – حيث يوجد (مناضلون) خصهم الله بان يناضلوا في الخفاء – ليكون فضلهم مثل فضل الذي ينفق في السر.
(3)
بعد انقلاب 25 اكتوبر وفي احد مواكب 27 اكتوبر الداخلية توقف عبداللطيف احمد امام مدخل كوبري الحلفاية في الخرطوم بحري امام مجموعة امنية تتكون من (8) افراد بكامل عدتهم وأسلحتهم النارية وهم يضربون (طفلا) عمره لا يتجاوز الـ 14 عاماً. تدخل عبداللطيف لفض هذا النزاع ، ولأنه لم يكن يمتلك القوة لإيقاف اعتداء تلك القوة العسكرية – حاول عبداللطيف استفزازهم بطريقته الساخرة وهم يضربون في الطفل حتى يخلصهم منه ، وقد كان لعبداللطيف ذلك ، لتتجه القوة العسكرية نحوه لتضربه وتدهسه فيفر (الطفل) الذي كان كلما فكت القوات النظامية (التروس) من الشارع عاد الطفل لتركيبها من جديد ليتسبب ذلك في استفزاز القوات النظامية لتكيل للطفل ومن بعده ضفاري كل ذلك الضرب.
تدخل عبداللطيف لإنقاذ الطفل كلفه ان يفقد القدرة على النظر بعينه الشمال التى تعطلت قدراتها البصرية بسبب الضرب الذي تعرض له في رأسه وهو يتابع الآن مع احد اطباء العيون من اجل عودة النور لعينه.
القوة العسكرية التي اعتدت على عبداللطيف لم تكتف بذلك وإنما وجهت ركلها ولكماتها لبطن عبداللطيف ليتسبب ذلك في تعطيل احدى كلياته حيث اجرى عبداللطيف بعد ذلك الاعتداء (3) عمليات غسيل كلى.
الامر لم ينته هنا وإنما تعرضت احدى اضلاع عبداللطيف للكسر بسبب الافراط في استعمال القوة.
عبداللطيف يتابع الآن مع اطباء في اختصاصات مختلفة منهم الطبيب عمر الشيخ اختصاصي المخ والأعصاب والطبيب الطيب سنهوري اختصاصي الكلى والمسالك البولية.
الشيء المؤسف ان عبداللطيف اصلاً يعاني من بعض (التجلطات) في قدمه ويحتاج الى الحقن بصورة دورية لتسكين الوجع وهو يفترض ان يقوم بإجراء عملية اخرى مستعجلة حسب قرار الاطباء بعد ان سبق واجرى عملية لم تنه اوجاعه.
عبداللطيف يرفض الدعم والمساندة مع كل هذه الاوجاع ، على الرغم من انه وهب نفسه لمساعدة الاخرين ودعمهم.
بعد تلك الحادثة كانت هناك اتصالات من زملاء وجمعيات للدعم والمساعدة لكن عبداللطيف رفض ذلك وقال انه سعيد بوضعه هذا وان كلفه عين وكِلية وضلعة.
حاولت ان اسمع عبداللطيف واعرف موقفه بعد الاعتداء الذي وقع عليه فقال لي انه اذا شاهد هذا الموقف مرة اخرى سوف يكرر ما فعله في المرة السابقة وان ما قدمه لا يساوي شيئاً مما قدمه الشهداء والشفاتة والكنداكات في ثورتهم المستمرة – فهذا قليل من كثير.
(4)
بغم /
لم اعرف ما حدث للأخ عبداللطيف إلّا عرضاً في حديث عابر وبعد عدة ايام من الحادثة وهو ان علم اني سوف اكتب عنه لاستحلفني ان لا افعل ذلك.
المواقف التي لا تسدد فواتيرها تبقى مثل (الفلين) لا قيمة لها.
النضال بدون ثمن يظل مثل (الدعايات الانتخابية) وهو لا يقدم غير التوم هجو او ما كان يحدث في السنوات الماضية عندما يقطع الارسال التلفزيوني وتسمع (اش اششششش).