أمين مجلس الطفولة السابق: الاتهام بتجنيد أطفال المايقوما (كلام فارغ)
علي مهدي: بعد سن 12عاماً يفصل البنات من الأولاد ويتم دمجهم في المجتمع
طبيب نفسي: ملف فاقدي السند حساس ولا يمكن السكوت عليه أكثر من ذلك
الرعاية الاجتماعية : يمنح الطفل اسماً رباعياً ومستندات رسمية لحظة دخوله الدار
مستشار قانوني: كلما ارتفعت نسبة فاقدي السند ارتفعت نسبة الجريمة .
تحقيق : رفقة عبدالله
تتغير الحكومات وتتعاقب الأنظمة السياسية في إدارة شؤون الدولة ومع كل حكومة تأتي او تزول، تظل قضية الأطفال فاقدي السند عالقة، بل ساكنة دون تحريك ، بينما تعاقب عشرات الوزراء على وزارة الرعاية الاجتماعية ، فشلت كل الأنظمة والحكومات في إدارة ملف الرعاية، بل أصبحت واحدة من الوزارات الهشة وأحياناً يتم التكسب باسم الرعاية دون أدنى رعاية، وفي كل فصل يمر علينا في السودان تزداد معاناة الأسر الفقيرة واليتامى والأرامل وكبار السن وغيرهم ممن يحتاجون لتلك الرعاية قبل الوزارة، فمعظم الذين تقلدوا أمر تلك الوزارة كأنهم بلا قلوب أو كأنهم لا ينظرون حواليهم مناظر الأطفال في وضعية الشارع والمتسولين.
فهل الوزارة مسؤولة فقط من كفالة دار الأيتام في المايقوما ، ام أيضاً مسؤوليتها تمتد لتحلق بأولئك الذين توسدوا الطرقات وافترشوا (الاسفلت) وجعلوا من القمامة وسادات يقضون فيها مضجعهم، فهل يا ترى هؤلاء الراشدون من الأطفال في وضعية الشارع من أين أتوا هل كانوا في دار الأيتام وهربوا من تلك الجدران القاسية ام خرجوا من باطن الأرض ووجدوا أنفسهم في طرقات المدينة يهيمون على وجوههم في المارة؟ وإذا كان كل ذلك غير صحيح فأين أطفال المايقوما منذ افتتاحها وحتى اللحظة واين ذهب اولئك الأطفال، وهل تمتلك وزارة الرعاية ملفات لمتابعة هؤلاء، ام تكتفي فقط بالكوتة الأولى من علب الحليب والبامبرز وتغض الطرف وتترك أولئك الأطفال وحدهم لمواجهة قسوة الشوارع وضعاف النفوس. (اليوم التالي) فتحت هذا الملف وخرجت بالتالي ..
مستندات رسمية
مسؤولة الطفولة بوزارة الرعاية الاجتماعية كوثر عبدالله قالت ل(اليوم التالي) إن الأطفال فاقدي السند ومنذ دخلوهم لدار الرعاية من اللحظات الأولى يتم اختيار أسماء رباعية لهم حتى يتمكنوا من الحصول على الرقم الوطني والشهادات والمستندات القانونية، وأضافت إن الأوراق الثبوتية لا توجد فيها مشكلة وتتم جميع الإجراءات عن طريق التنسيق مع الجهات المختصة مثل خدمات، مشيرة إلى أن بعد بلوغ الأطفال سن الرشد يتم فصلهم من سكنات البنات من داخل الدار. وأوضحت كوثر أن مرحلة الدمج تبدأ من الأساس الى مرحلة دخولهم الجامعات والمعاهد من أجل الدراسة ، بينما تعمل الوزارة بالتنسيق مع المؤسسات الأخرى من أجل دمجهم في المجتمع بطريقة سليمة وسهلة ، حتى يتمكنوا من أن يشعيوا حياتهم بطريقة طبيعية وأحياناً يتم تزويج بعضهم ومنهم من يسافر خارج السودان عن طريق أوراقٍ رسمية، ومنهم من يختار العمل في الصناعات الحرفية والمهن اليدوية وغيرها من الأعمال ، ويمارسون حياتهم بصورة طبيعية . وأشارت كوثرة إلى أن وزارة الرعاية الاجتماعية تهتم بتفاصيلهم حتى بعد الزواج ومتابعة حالاتهم .
سر النجاح
الأستاذ علي مهدي المشرف الإقليمي السابق لدول شرق وغرب افريقيا ل(sos) قال إن الأطفال الذين نشأوا في قرى الأطفال (SOS) نشأوا في حياة طبيعية جداً؛ خاصة وأن تلك القرى مؤسسة بطريقة أشبه بحياة الأسر الطبيعية، و تتكون الأسرة داخل القرية من سبعة إلى ثمانية أفراد يعتبرون جميعاً إخوة وتوجد (خالة) هي بمثابة الأم تقوم بخدمة هؤلاء الأطفال، وفي السابق كانت توجد قرية في الخرطوم موجودة حتى اللحظة في منطقة سوبا وأخرى في ملكال قبل الانفصال، ونسبة للظروف العسكرية وبعد انفصال الجنوب خرجت من الخدمة ونقلت الى جوبا، وبعدها لم نستطع المتابعة، مضيفاً أن الأطفال مجهولي الأبوين وأنا أفضل القول بأنهم (أيتام ) بعد أن قررت الحكومة السودانية و لأكثر من نصف قرن تم تأسيس دار المايقوما شمال الخرطوم على يد نساء فضليات حيث تحتضن هذه الدار الأطفال مجهولي الأبوين او الذين تمت ولادتهم في ظروف مجهولة، بحيث يؤتى بهم إلى هذه الدار تحت إشراف وزارة الرعاية الاجتماعية ولاية الخرطوم.
وأكد علي مهدي بأن هناك أكثر من (134) دولة في العالم لديها هذه القرى المشابهة التي تتكون من منازل داخل القرية تحوي أكثر من عشرين منزلاً يحتوي المنزل بين سبعة الى تسعة أطفال برعاية ام وينشأ الأطفال مع بعض كإخوة، بالإضافة لوجود خالة تقوم بمساعدة الأم .
وكشف عن أن 99% من الأطفال يأتون من دار المايقوما، بعدها تأسس المكتب الوطني الذي يشرف على هذه القرى عند وصول عمر الاولاد الى 12 عاماً بعدها يذهب بهم الى بيوت الشباب وهي موزعة في الأحياء والغرض منها إدماج هؤلاء الأطفال في الحياة الاجتماعية واحتكاكهم مع الناس، وبحمد الله ينشأ الأطفال في بيئة جيدة كللت بعضها بالزيجات من الطرفين ولديهم أحفاد حالياً ، وأكد علي مهدي أن مجموعات الأطفال الكبيرة التي كانت تحتضنها دار المايقوما والذين نجحوا في الحياة، كلهم من الذين تخرجوا من هذه القرى الاجتماعية، مشيراً إلى أن من بينهم من شقوا طريقهم ووصل للجامعات، وأكمل تعليمه، ومنهم من انخرط في القوات المسلحة والشرطة وفيهم الأطباء والمعلمين بل انخرطوا في معظم المهن، لأنهم نشأوا في تربية طبيعية وعادية ولا يوجد منهم أحد يحمل بطاقة او مستنداً مكتوب عليه هذا الطفل (يتيم) لكن الحكومة السودانية عدلت قانون الجنسية الذي يمنح أي طفل يولد داخل حدود جمهورية السودان مجهول الأبوين يمنح الجنسية السودانية بالميلاد بصرف النظر عن أنه مجهول الابوين او غيره .
الموت الرحيم
الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الطفولة السابق عثمان ابو شيبة قال للـ (اليوم التالي) إن الأطفال مجهولي الأبوين أو فاقدي السند يدخلون للدار منذ البداية وهم في أعمار صغيرة ما بين ساعة أو ساعتين او يوم يومين وسنوياً تستقبل دار الأيتام او المايقوما (700-800) طفل، إلا أن نسبة الوفيات عالية جداً مما يقلل نسبة نمو وحياة كل هؤلاء الأطفال والذين ينجون من الموت اعداد بسيطة ولكن بعد تطبيق برنامج الكفالة قلت نسبة الوفيات من 80% الى 10% كان هذا في العام 2003 – 2004 فيما وصل عدد الأطفال في تلك الفترة إلى (15) طفلاً من جملة (400) بسبب الوفيات العالية ، وأشار شيبة، إلى أنه سابقاً كانت هناك ثلاثة منافذ الأول بعد عمر محدد يتم تحويل الأطفال الى قرية الأطفال في منطقة سوبا الى أن يصلوا عمر 18 عاماً يتم بعدها تحويلهم إلى بيوت الشباب، وهم في القرى هذه يحسون بعزلة ولا علاقة لهم بالمجتمع تماماً ولا يستطيعون الاندماج في المجتمع،
وأوضح أن حياة هؤلاء الأطفال هي حياة فاشلة فيها مشاكل قانونية وغيرها لأن الانسان لا يستطيع أن يعيش من غير مجتمع ، كاشفاً عن أن كل الأحاديث التي تقول بأن هؤلاء الأطفال يتم تدريبهم عسكرياً واستغلالهم هذا امر غير صحيح، حتى في أيام الثورة والاعتصام كانوا يقولون إن هؤلاء هم اولاد المايقوما وهذا حديث غير صحيح، ومنذ العام 2003 إلى العام 2005 وزارة الرعاية والشؤون الاجتماعية طورت برنامج يتعلق بالكفالة، هذا البرنامج ساعد كثيراً في الدمج بصورة ممتازة، بل هناك الآلاف من الأطفال تمت كفالتهم وعاشوا مع أسر واندمجوا في الحياة بطريقة طبيعية، وهؤلاء لديهم سجلات وتتم مراقبتهم ومعروفين في أي مدرسة وفي الجامعات وتفاصيلهم موجودة لدى الوزارة والاخرين وكلهم في وضع نفسي سليم ،ولكن احيانا تحدث بعض الإشكاليات بوفاة أحد الأبوين الذين تبنوهم؛ خاصة اذا كانت هنالك ورثة، تحدث بعض المشاكل مع الأبناء يتم طردهم ويتم إعادتهم للوزارة، وهنا تحدث تعقيدات خاصة، اذا كانت هنالك ورثة ولكنها حالات غير كثيرة . مبيناً أن الأطفال الذين يتجاوزون عمر أربع سنوات يتم فرزهم تلقائياً بحيث يذهب بالأولاد الى دار المستقبل والبنات الى دار الفتيات، ولكن معظم المتواجدين في هذه الدور هم الأطفال من شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة لسبب أن الطفل عندما ينشأ في مؤسسة، حتى وإن كانت ولادته طبيعية فإنه مع مرور الوقت في المؤسسة تتكون وتظهر هذه العاهات خاصة الذهنية وهي اكثر ظاهرة في دار المستقبل وقل ما يوجد طفل سليم وهي آثار التنشئة في المؤسسات.
أما الأطفال الذين نشأوا في بيوت القرى (اس يو اس) فإنهم ينشأون بصورة طبيعية، ولكنهم نفسياً غير مستقرين، وتنتشر بينهم مشاكل كبيرة جدا ، غالبية الأطفال من العام 2003 الى الآن موجودون في برنامج الكفالة اذا تم البحث سيعرف إلى أي مدى أن نظام الكفالة جيد، ولكن لا يخلو من شواذ والتوسع في برنامج الكفالة ساعد في تقليل نسبة الوفيات بدار المايقوما وتكلفته غير عالية ، أما تكلفة المايقوما عالية ومردودها صفري، بل هناك أطفال بالتنسيق مع الوزارة وبعض المنظمات أعادتهم لأسرهم الطبيعية ومحاولة إقناع الوالدة بكل الطرق، والملاحظ أن معظم أمهات الأطفال هن أطفال في أنفسهن إذ لا توجد فتاة كبيرة تحمل خارج الزواج مهما حدث، وتحاول هذه المنظمات مساعدة الأم للعيش بهذا الخطأ قبل ارتكاب أخطاء أكبر للتخلص منه او قتله ، مهما كانت شكل الخدمات فإذا وقف برنامج الكفالة ستزيد حالات الوفيات .
وضع التشريعات
الدكتورة أميرة أزهري من مجلس الطفولة أوضحت ل (اليوم التالي) إن من اختصاصات مجلس الطفولة وضع القوانين والتشريعات التي تنظم مجلس الطفولة ، وأضافت في السودان نعمل بنظام الكفالة للأطفال ، على حسب الدين الاسلامي ، والعادات والتقاليد وأن نظام الكفالة ساعد الأطفال فاقدي السند كثيراً، مشيراً إلى أن هناك وزارة الرعاية الاجتماعية من مسؤلياتها رعاية الأطفال ما بعد سنة الـ(18) بمعنى بعد سنة الرشد ، بتنسيق مع مجلس الطفولة والوزارة الرعاية الاجتماعية .
الرصيف لا يرحم
دكتورة لبنى أحمد إبراهيم مستشارة الطب النفسي أكدت ل(اليوم التالي) انه كلما ارتفعت نسبة فاقدي السند ارتفعت معها نسبة معدلات الجريمة في المجتمع،
وأضافت لبنى أن نسبة انتشار فاقدي السند أصبحت بصورة ملحوظة، وهنالك تجاهل من قبل وزارة الرعاية الاجتماعية ، أما من ناحية صحية فإن فاقدي السند دائماً ينظرون الى أن المجتمع ظالمهم ويتعامل معهم بقسوة ، ولكن الكثير منهم استجاب لخضوع العلاج النفسي ، مؤكداً أنه بعد سن البلوغ الفتيات أكثر عرضة للخطر ، خصوصاً اذا كان الشارع هو الملاذ، لأن ذلك يتسبب في زيادة الأزمة وزيادة في نسبة الأطفال في سوريا في وضعية الشوارع وأن (الرصيف) لا يرحم الفيتات وهن في عمر حرج ، وانتقدت لبنى عمل وزارة الرعاية الاجتماعية في التعامل مع هذا الملف شديد الحساسية ، وقالت إنه من الملفات التي لا يجب السكوت عنه أكثر من ذلك مشيرة ( لقد أصبحت شوارع العاصمة مزينة بأطفال فاقدي السند ، بينما وزارة الرعاية الاجتماعية تكتفي بالجلوس على مقعد المشاهدة ..
المصدر: اليوم التالي