مقالات

أحمد يوسف التاي يكتب: كلهم عُملاء إلا من رحم

الراى السودانى

(1)
كُتُب التاريخ المُوثّقة ، والوثائق المُثبّتة بأدلتها الدامغة كشفت لنا عبر الحِقب والأزمان المتعاقبة أن سيول العملاء لم تنقطع يوماً ، وأن عدداً من كبار المسؤولين والحكام والسلاطين والملوك والأمراء والرؤساء والوزراء مارسوا العمالة في أسوأ وأقبح صورها في سعيهم لاستلام السلطة، لكنهم كانوا يبررون لأنفسهم تلك العمالة حينما يضطرون إلى السباحة في مستنقعاتها الآسنة وهم كما ولدتهم أمهاتهم ، وما أن يصلوا إلى شاطئ السلطة ويلبسون ثيابهم يُنكرون على أشباههم من العملاء تلك الممارسات القبيحة… وإن تعجب فعجبٌ قولهم وشتمهم لآخرين بأنهم عملاء يستنصرون بالأجنبي على بني جلدتهم، وهم قد وطدوا أركان سلطانهم بالأجنبي واستنصروا به وبه سادوا على قومهم… هذه الممارسة الخسيسة لم تسلم منها بلاد من الدول العربية والإسلامية ، والسودان لم يكن استثناءً من هذا وهل الجبهة الوطنية التي ضمت كل احزابنا السياسية الفاعلة استثناءً من هذه الممارسة، ولا التجمع الوطني الديمقراطي بكل أحزابه وفصائله، ولا الحركات المسلحة…


(2)
حدثنا التاريخ عن الوزير شاور بن مجير السعدي وزير مصر في أواخر عهد الدولة العباسية وقد استعان بالصليبيين في القدس للقضاء على أسد الدين شيركوه وعمه صلاح الدين الأيوبي لتوطيد أركان عرشه والانفراد بالحكم في مصر بينما الحروب الصليبية بدأت شرارتها… وروى التاريخ حكاية وزير الخليفة العباسي المستعصم «مؤيد الدين بن العلقمي» الذي كان عميلاً للمغول حيث رتبَ مع «هولاكو» قتل الخليفة واحتلال بغداد، على أمل أن يسلمه هولاكو إمارة المدينة، إلا أن هولاكو قام بإهانته وقتله بعد تدمير بغداد..
أما قصة ملوك الطوائف في الأندلس فحدث ولا حرج فقد كانوا يتسابقون بلا حياء نحو ملك اسبانيا «فيرناندو» للاستقواء به في مواجهة إخوانهم من ملوك الطوائف الأخرى وتثبيت أركان حكمهم وحمايتهم وكانوا يدفعون الجزية مقابل تلك الحماية، وقد مارس هذه العمالة 22 ملكاً من ملوك الطوائف أبرزهم ملوك غرناطة وقرطبة وإشبيلية والمرية وبلنسية، وطليطلة وسرقسطة، والبرازين والبداجوز، ودانية والبليار ومورور.. هذه العمالة كانت العامل الحاسم في حرب الاسترداد التي قادها ملك اسبانيا فيرناندو وأبناؤه والتي على إثرها طُرد العرب والمسلمون من الأندلس… واستمر الحال هكذا إلى أن جاء عصر «الكرزايات» الذين أتوا لحكم بلادهم على ظهور الدبابات الأمريكية مثلما حدث في افغانستان والعراق وغيرهما…


(3)
السودان لم يكن استثناءً من هذه العمالة الرخيصة والتي يسميها السياسيون «العون « عندما يعتلون السلطة فيقولون طلبنا «العون» من أصدقائنا، وعندما يطلب هذا «العون» خصومهم في المعارضة يطلقون عليهم العملاء والخونة والمأجورين والمرتزقة، لكنهم في الواقع كلهم اشباه متطابقة فقط يتبادلون المواقع والمصطلحات «العون» عندما يكونوا في موقع المعارضة، و»العملاء» عندما يصيرون حكاماً …فقد مارست هذه اللعبة أحزاب عريقة في الجبهة الوطنية مثل «الأمة» و»الاتحادي» والجبهة الإسلامية وغيرها حينما طلبت دعم القذافي وغزت البلاد بالسلاح الليبي، والأمر لم يكن يعني لهم شيئاً لكن عندما استولت الجبهة الإسلامية على السلطة في 89 استنكرت على أصحابها في التجمع الوطني المعارض بزعامة الميرغني طلب (العون) ـ أو قل (العمالة) ـ من مصر واريتريا ونعتتهم بالعملاء والمرتزقة والمأجورين والخونة وهذه «العمالة» نفسها فعلتها معهم في الجبهة الوطنية ضد نميري… هكذا هم الساسة على مر التاريخ يسمون الأشياء بغير اسمها ويبررون القبيح ويزينونه عندما يضطرون لفعله ويستنكرونه على غيرهم من الخصوم ويصوِّرونه على أنه خيانة عظمى … والحق أنها كذلك، لكنهم يضعونها في موضع الحق الذي يُراد به الباطل… وهل خلت حكومة حمدوك من العملاء الذين كانوا يتوددون لأمريكا أن تشدد العقوبات على بلادهم عندما كانوا معارضين بل ربما طلبوا سراً أن تغزونا ليصلوا إلى سدة الحكم …اللهم هذا قسمي فيما أملك.


نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائمًا في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى