الراى السودانى
مسألة التفلتات الأمنية بلغت حدا يستدعي الوقوف عنده مطولا.. ولم يعد أحد يعلم أين تكون الضربة التالية.. صحيح أن ارتياحا عاما قد ترتب على سرعة الوصول إلى الجناة في جريمة مقتل طالب الجامعة الإسلامية.. عليه الرحمة ولآله وزملائه وأساتذته تعازينا، وأن يلهمهم الله الصبر الجميل.. ولكن الصحيح أيضا أن وتيرة القلق بل والخوف قد ارتفعت ولا شك عند المواطن.. جراء الجرأة الفائقة التي اتسمت بها تلك الجريمة تحديدا.. من حيث الزمان والمكان.. وصحيح أنها قد وقعت خارج أسوار الجامعة.. لا كما حاول أن يصور البعض.. ولكن الصحيح أيضا.. أن وجود حرس جامعي.. محترف ومدرب.. كفيل بأن يمتد بصره حتى خارج أسوار الجامعة.. بل وكل محيطها الجغرافي.. وهو الشيء الغائب الآن.. مما يفرض على وزارة التعليم العالي أن تتحرك بالسرعة القصوى.. لمراجعة هذا الأمر بالتنسيق مع جهات الاختصاص.. فتوفر الحس الأمني القادر على إدراك مؤشرات واحتمالات وقوع الجريمة.. والحيلولة دون وقوعها.. أفضل بكثير من اكتشافها.. بعد أن يكون المجتمع قد خسر فردا بل وربما أفرادا.. والأسوأ من ذلك.. ارتفاع وتيرة الخوف وانتشار الهلع بين الجميع..!
ولكن ثمة مؤشرا خطيرا.. أيضا.. إذا أخذنا جريمة مقتل طالب الإسلامية مؤشرا أساسيا.. هو وجود دراجة بخارية.. كقاسم مشترك في جل إن لم يكن كل الجرائم التي انتشرت مؤخرا.. وعلى سبيل المثال.. ففي جرائم خطف الحقائب وأجهزة الهاتف.. بات مألوف أن تظهر دراجة بخارية.. على ظهرها اثنان وربما ثلاثة.. يقود أحدهما ويمارس الآخر جريمة الخطف.. تتمدد الحوادث.. وتتعدد الضحايا..ولا أحد يحرك ساكنا.. نذكر هنا أنه في بعض مناطق دارفور منع منعا باتا استخدام الدراجة البخارية.. ببساطة لأنها أصبحت واحدة من أدوات الجريمة الرئيسية.. والخرطوم تمضي الآن في ذات الاتجاه..!
ليس من المنطق بالطبع، أن يطالب أحدهم بمنع استخدام الدراجات البخارية في الخرطوم.. ولكن ذات المنطق.. والواقع الذي تمثله تمظهرات الجريمة في بعض جوانبها اليوم.. يفرض على سلطات ولاية الخرطوم إصدار أمر طوارئ بحظر وجود شخصين على ظهر دراجة بخارية.. والأهم من ذلك تشديد العقوبة في حالة المخالفة.. وتخويل الشرطة سلطات ميدانية مع التطبيق الفوري.. بمصادرة أي دراجة بخارية يرتكب صاحبها مخالفة استصحاب شخص آخر على دراجته.. فما الذي يمنع؟!.. نرجو أن لا يحدثنا أحدهم هنا عن حقوق الإنسان.. وعن حق المواطن.. فهنا يتقدم الحق العام على الحق الخاص.. وكثير من الدول تلجأ الى إجراءات وتدابير أشد قسوة.. في سبيل حماية أمنها القومي وأمن مجتمعاتها على وجه الخصوص..!
ثم والأهم من كل هذا.. لا بد أن تتفاعل كل أجهزة العدالة.. مع تزايد حالات الجرائم وانتشار مظاهر التفلتات الأمنية.. فما الذي يمنع النائب العام أن يخصص نيابة كاملة مهمتها العمل على مختلف القضايا ذات الصلة بهذه التفلتات.. وتقديمها للقضاء بأسرع ما يمكن؟.. بل ما الذي يمنع السلطة القضائية من إنشاء محاكم خاصة لهذه التفلتات؟.. على أن تكون إجراءاتها إيجازية.. بما لا يضار المتهمون.. فأسوأ ما يمكن أن يحبط رجل الشرطة.. أن لا يرى جهوده وقد أثمرت.. وتحولت إلى نتائج مباشرة يراها الناس رأي العين.. قبل أن تجف دماء الضحايا.. وحتى يسكن روع الأحياء منهم.. وأخيرا لماذا لا تتخذ الحكومة قرارا شجاعا بأن تكون دماء شهيد الجامعة الإسلامية هي آخر الدماء التي سالت نتيجة لضعف هيبة الدولة.. إن لم يكن غيابها..؟!