صادف يوم أمس ذكرى رحيل الفنان القامة الإمبراطور محمد وردي ،فنان الثورات السودانية الذي جسد حضوراً طاغياً في ساحات الاعتصام إبان الثورة المجيدة، وجعل ديسمبر يستمد الصمود من أكتوبر العظيم، وبرهن وردي ن الموت لا يعني الغياب
عندما حضر وردي في صفوف الثورة ومواكبها رغم رحيله، في وقت غاب فيه عدد من الفنانين عن نداء الوطن وهم أحياء يرزقون ، كان الجميع في باحة الاعتصام يضم يديه على صدره يردد أغنياته وكأنه يقالد وردي في حفل عودته للوطن، بعد غربته الطويلة كانت أغنياته ومازالت تحتفظ بطعمها ونكهتها الوطنية الخاصة، وقف شامخاً كنخلة عظيمة، وبذات الشموخ كان صوته في القيادة يسيطر على مشاعر الثوار ويبعث فيهم نشوة الانتصار تجده قريباً من تفاصيلهم وهم يعيشون الحدث بأغنياته وبصوته الذي يغازل ضفائر الليل، فهو الذي استطاع ان يقلص المسافة بين الثائر وأحلامه ، ليمد الجميع يده ويقطف منه همسة نور
ويحرك جوف الآهات المبهمة، وردي القادر على ان يمنحك الشعور بالفخر، ويُولد فيك مشاعر الوطنية حتى لو كانت دواخلك عقيمة، ويلوح للوجود ليخضر للاحلام المبددة، التي يخنقها أنين الأوطان، ليكون وردي خبر الأسئلة التي تيتمت في انتظار الإجابات،
ويكتب محمد وردي اسمه من ذهب ، تبراً يظل لامعاً في كل ظلمات الاستبداد، وصوتاً يزلزل عرش الدكتاتوريات البغيضة، ليعيد الصحو في الأرواح التي ارتدت ثياب الحزن والرتابة ويغمرها بأحاسيس الانتفاضة لتنزع عنها معاطف الخوف واليأس وتهتف حتى تاريخ الانتصار.
منحها الشعارات لتكون ثورة تحمل كل معاني السلمية والبراءة منذ صرختها الأولى الى ان امتدت أيادي المُكر المرتجفة غدراً، لتنفي ارتباكها عندما نظرت للثورة من زيف الشرفات عن بعد.
أغنيات حملها الثوار كانت كلماتها أقوى من الرصاص أثارت الخوف والرعب في قلوبهم، لذلك كان ردة الفعل الخبيثة قاسية، هي مشاهد ومواقف أثبتت أن الشعر الثوري نظم صنع من ذات المادة التي صنعها منها البارود حتى يكون تأثيره على حامل البندقية يشبه تأثير الطلقات التي تخترق الصدور وموت الرصاصة أرحم لأنها تهبك موتة واحدة ، بينما الكلمة تظل تقتلك يومياً الف مرة
وقالت جوليا محمد وردي أمس في افادة لأول النهار: ( إن والدها تنبأ بثورة ديسمبر المجيدة وكان على قناعة بأن التغيير قادم ولكن القدر لم يمهله حتى يشهد الثورة ولكن أغنياته عبر مكبرات الصوت ظلت تلهب حماس الثوار وتدفعهم لمواصلة النضال حتى انتصرت الثورة).
الرحمة والمغفرة لفنان أفريقيا الأول الذي كان ومازال هو المد الذي يملأ فراغات الأعماق بعظيم أغنياته في كل يوم كطائر الفرح الذي يغني فوق أغصاننا، ويشدو بجميل صوت لأجل الوطن، كلمة وحرف ولحن ونغم يستقر على فم الذكرى دائماً، يربت على كل
وجع قديم، ويجعل الدمع يحتسي، دافع وجداني وعاطفي يعصمنا من الضياع، ويشعل أعواد الأمل دائماً في طريق الثورات، صمود لا يبح صوته من الهتاف الى أن يحقق مأمله، وردي الثورة في ذكرى رحيلك أرقد بسلام.
طيف أخير:
ﺣﻨﺒﻨﻴﻬﻮ ﺍﻟﺒﻨﺤﻠﻢ ﺑﻴﻬﻮ ﻳﻮﻣﺎﺗي ﻭﻃﻦ ﺷﺎﻣﺦ ﻭﻃﻦ ﻋﺎﺗي ﻭﻃﻦ ﺧﻴّﺮ ﺩﻳﻤﻘﺮﺍﻃي.
الجريدة