السودان اليوم:
* مشروع قانون النقابات الذي قدمته وزارة العمل، ووضعته امام لجنة العشرة للمراجعة النهائية، يمثل قفزا فوق الجهود التي بذلتها عدة جهات سياسية ونقابية واكاديمية لتقديم مشروع قانون للنقابات، وتوقعنا ان تتم المراجعة النهائية عن طريق مقارنة البنود في القانونين ثم تحديد أي بند هو الأفضل والاسلم والأكثر تلبية لاحتياجات إعادة التأسيس النقابي.
* أقوى أدوات الحكومات وأكثرها فعالية في السيطرة على النقابات هو مكتب المسجل، لما يملكه من سلطات تجعله يتدخل في العمل النقابي. ولدينا شواهد كثيرة من التاريخ توضح كيف ان مكتب المسحل يُجمد ويحل اللجان النقابية، وكيف يشارك في التزوير علناً.
* وكان مسجل النقابات خلال نظام الاسلامويين أكثرهم تسلطاً وعنجهية. كمثال كان المسجل يعلن جدول الانتخابات نهاية يوم الخميس لتتم كل العمليات الانتخابية خلال يوم العطلة الاسبوعية (مراجعة القوائم، الطعون، فتح باب الترشيح، قفل باب الترشيح، الطعون حول المرشحين، اعلان القائمة النهائية للمرشحين)، لتكون قائمة المرشحين النهائية جاهزة صباح يوم السبت ” وكلو بالقانون “.
* ينص القانون الحكومي المقترح على: ” يُعين رئيس مجلس الوزراء بتوصية من الوزير مسجلاً عاما للتنظيمات النقابية يكون بدرجة مستشار عام بوزارة العدل.” كان المطلب التاريخي للنقابات ان يعين رئيس القضاء قاضيا ليتولى مسئولية المسجل. وإذا قرأنا الباب السابع من القانون المقترح نجد ان للمسجل الحق في حل الاتحاد أو النقابة، ورفض تسجيل أي نقابة، وإلغاء إجراءات الانتخابات، وغيرها من السلطات، ما يعنى ان القانون يعطي سلطات كبيرة لشخص لا يملك الاستقلالية التامة، لذلك من الخطورة ان يكون المسجل موظفا تابعا للسلطة التنفيذية تُعينه وتعزله، عندما تريد!
* تنص المادة (3) بأن الحد الأدنى لتكوين اتحاد هو عشر نقابات، وهي مادة جديدة لم ترد في أي من القوانين السابقة. تاريخيا كان هناك اتحاد واحد للعمال، واتحاد للمعلمين، واتحاد للموظفين، واتحاد للمهنيين. وكان هَم كل الحكومات ان تُخرّب الوحدة النقابية بتقسيم اتحاد العمال لعدة اتحادات، فلم تعترف به السلطة الاستعمارية، وحاولت الحكومة الوطنية الاولي تقسيمه لاتحاد عمال الحكومة واتحاد عمال القطاع الخاص، واتحاد الحرفيين، ولكنها فشلت لتمسك العمال باتحادهم الموحد. تكررت نفس الدعوة في عام 1968، وفشلت أيضا. والآن تعمل الوزارة على تقنين وتشجيع الانقسام في الحركة النقابية!
* نقل القانون تعريف العامل الموجود في قانون 2010 الذي يشمل الموظف والمهني والفني، أما مشروع القانون الآخر الذى اقترحه مركز الأيام وبعض التنظيمات) فلقد عرَّف العامل بانه الذي (يغلب على عمله الطابع اليدوي سواء اكان ماهرا او غير ماهر). كما ان قانون الوزارة تمسك بالمنشأة، وهي أس البلاء خلال العهد البائد، بينما أوضح القانون الآخر بوضوح ان النقابة تتأسس على أساس الفئة، بمعنى ان تتشكل نقابات للعمال، وأخري للأطباء وهكذا لبقية الفئات.
.
* اشترط قانون الوزارة الحد الأدنى لتأسيس نقابة بثلاثين عاملا بينما طرح القانون الآخر عشرين عاملا، واحصاءات منظمة العمل الدولية تقول ان بالسودان 600 ألف وحدة إنتاجية، حوالي 98 % منها صغيرة أو متوسطة، لذلك اشتراط حد أدني بثلاثين عاملا يحرم مئات الألوف من العاملين من حق التنظيم النقابي، وهذا التحديد ادخله لأول مرة قانون النقابات لسنة 1960 خلال الحكم العسكري الأول، والغرض هو حرمان فئات كثيرة من حق التنظيم، ومن ثم اضعاف النقابات بتقليص حجم قواعدها.
* حدد قانون الوزارة الدورة النقابية بأربع سنوات، وهي مدة طويلة تُصعّب حركة الديمقراطية النقابية بتداول القيادة في أوقات معقولة. تاريخيا كانت الدورة سنة واحدة مما جعل رقابة القواعد على القيادات مستمرة ومباشرة، بالإضافة الى ادراك القيادات بشكل واضح ان تقييم انجازاتهم وممارساتهم لن يطول، ولكن الأنظمة العسكرية زادت مدة الدورة مما يسهل عليها شراء القيادات عن طريق منحهم امتيازات خاصة او استيعابهم في منظماتها، بعيدا عن الرقابة اللصيقة للقواعد، ونعتقد ان تقصير الدورة تشجيع للديمقراطية النقابية، وللرقابة على القيادات.
* نص القانون المقدم من الوزارة بأن تتم مراجعة حسابات النقابات بواسطة مراجعين معتمدين من المسجل، بينما المطلوب والصحيح ان يراجع حساب النقابات مراجع قانوني، وليس مراجع معتمد من المسجل.
هذه بعض الملاحظات الأولية عن مشروع قانون النقابات الذى طرحته وزارة العمل، ومن الواضح انه (قانون عقوبات وليس قانون نقابات)، كما لخص الشفيع أحمد الشيخ أحد القوانين من قبل!
د. صديق الزيلعى
أكاديمي وباحث
The post عقوبات ام نقابات ؟!.. بقلم زهير السراج appeared first on السودان اليوم.